ولغو عرفاً.
الثاني: (وهو الظاهر من عبارة صاحب الحدائق(رحمه الله)) أن يقال: إنّ الشيء ما لم يعلم بنجاسته هو طاهر واقعاً، بأن يتحفّظ على موضوعيّة العلم، وهذا يقتضي فرض أخذ العلم بالنجاسة في موضوع شخص تلك النجاسة، وعندئذ إن قلنا: إنّ النجاسة أمر تكويني كشف عنه الشارع، فمن المستحيل أخذ العلم بها في موضوعها(على ما حقّق في محلّه من استحالة كون العلم بالشيء دخيلاً في نفس ذلك الشيء) إلاّ أن يؤوّل بتعدّد الرتبة، كأن يفرض أنّ معنى الحديث هو أخذ العلم بمقتضي التنفّر في موضوع التنفّر الفعلي، من قبيل كون التنفّر الفعلي من ماء وقع فيه الذباب موقوفاً على الاطّلاع على وقوع الذباب فيه، وهذا كما ترى خلاف الظاهر، فإنّ الظاهر من الحديث هو أخذ العلم بالنجاسة الفعليّة غاية للطهارة. وإن قلنا: إنّ النجاسة الشرعية أمر جعلي واعتباري، فإن قصد بأخذ العلم في موضوع النجاسة أخذ العلم بالمجعول في موضوع المجعول، كان هذا محالاً أيضاً، كما حقّق في محلّه. وإن قصد به أخذ العلم بالجعل في موضوع المجعول كان هذا ممكناً، لكنّه خلاف ظاهر الحديث؛ إذ هو بظاهره دالّ على كون الغاية هي العلم بالنجاسة الفعلية.
الوجه الثاني: استفادة الاستصحاب وحده من الحديث، وهذا يستلزم أن يفرض أنّ قوله: «كل شيء طاهر» قد فرضت فيه طهارة الشيء مفروغاً عنها، وإنّما ذكر قوله: «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم» للحكم باستمرار تلك الطهارة، ولئن لم يكن ذلك خلاف الظاهر في قوله: «الماء كلّه طاهر» باعتبار وضوح طهارة الماء، فهو خلاف الظاهر حتماً في قوله: «كلّ شيء نظيف»؛ إذ فرض طهارة مفروغ عنها غير مذكورة في العبارة وصرف الكلام إلى النظر إلى الحكم الاستمراري يكون فيه مؤونة زائدة لا محالة، ولعلّه لهذا فرّق الشيخ الأعظم(قدس سره)بين حديث(كلّ شيء طاهر) وحديث(الماء كلّه طاهر) بامكان حمل الثاني على الاستصحاب دون الأوّل(1). هذا مضافاً إلى أن مجرد الحكم الاستمراري بالطهارة ليس استصحاباً؛ إذ لا بدَّ في الاستصحاب من لحاظ الحالة السابقة ومرجعيّتها.
الوجه الثالث: استفادة الطهارة الظاهرية وحدها، وقد اتّضح لك بكلّ ما ذكرناه تعيّن هذا الوجه.
(1) راجع الرسائل: ص 336 بحسب طبعة رحمة الله.