والوجوه الثلاثة كلّها غير صحيحة:
أمّا الوجه الأوّل، وهو استفادة الاستمرار من كلمة(حتّى) فلما مرّ في الاتّجاه الأوّل من الإشكالات عليه.
وأمّا الوجه الثاني، وهو استفادته من إطلاق كلمة(طاهر) فلما مرّ ـ أيضاً ـ من الإشكال عليه بأنّه بعد أن كان الإطلاق لا تُرى به الحصص، وإنّما شأنه إلغاء الخصوصيات، فأوّلاً: ليس الاستمرار هنا شيئاً مُنشَأً ومجعولاً، وثانياً: لا يصحّ صرف القيد عمّا هو المذكور في الكلام إلى هذا الاستمرار غير المذكور في الكلام. ونضيف هنا إشكالاً ثالثاً قد حذفناه هناك، وهو أنّ إطلاق الشيء يفيد ـ لا محالة ـ سعته واستمراره الحقيقي، ولا معنى لفرضه عنائياً حتى يكون استصحاباً.
ولو قيل: إنّنا نفرض دلالة نفس كلمة(طاهر) على الطهارة في الزمان الأوّل والطهارة في الزمان الثاني، أي: الاستمرار، ولا نفترضها دلالة إطلاقية، فأوضح ما يرد عليه لزوم استعمال لفظ واحد في معنيين، ويرد عليه غير هذا أيضاً، من قبيل ما مضى من لزوم الجمع بين اللحاظ الإيجادي ولحاظ الفراغ عنه.
وأمّا الوجه الثالث، ففرض شيء محذوف في المقام مؤونة زائدة، وبعيد، وإرجاع القيد إليه لا إلى المذكور أبعد.
القول الثاني: ما نسب إلى صاحب الفصول من استفادة الأصل مع الاستصحاب.
ويرد عليه مضافاً إلى ما مضى من أنّ استصحاب الطهارة الظاهرية لا يكون إلاّ في أحد أنحاء ثلاثة من الشكّ، ولا ينطبق الحديث على شيء منها: أنّ الاستمرار إمّا هو مستفاد من المحذوف، والتقدير كان هكذا: كلّ شيء طاهر وطهارته مستمرة حتّى تعلم أنّه قذر، أو من إطلاق كلمة(طاهر) أو من كلمة(حتّى).
أمّا الأوّل، فيرد عليه مضافاً إلى ما مضى من كون الحذف بعيداً، ورجوع القيد إليه دون المذكور أبعد: أنّنا نتساءل: هل القيد يرجع إلى ذاك الاستمرار المحذوف فقط، أو إليه وإلى قوله:«كلّ شيء طاهر»؟ فإن قيل بالأوّل فكيف عرف أنّ الطهارة في الصدر ظاهرية لا واقعية؟! وإن قيل بالثاني ورد عليه: أنّ الطهارة المذكورة في الصدر موضوع للحكم الاستمراري المحذوف ومقدّم عليه رتبة، فلو أُرجع القيد إليهما بفرض استعمال كلمة(حتّى) في نسبتين، لزم منه استعمال اللفظ في معنيين، ولو أُرجع القيد إليهما رغم فرض استعمال كلمة(حتّى) في نسبة واحدة، فالنسبة الواحدة تتطلّب شيئاً واحداً في طرفه لا شيئين، وإذا