وفيه بعد فرض أنّ كلمة(حتّى) لم تستعمل في معنيين، فهي تدلّ على نسبة واحدة: أنَّ هذه النسبة والاستمرار المستفاد في المقام إمّا يكون مطعّماً بالعناية، أو لا. فعلى الأوّل كان استمراراً تعبّدياً مطلقاً، وعلى الثاني كان استمراراً حقيقياً مطلقاً، ولا يمكن التفكيك.
الفرض الرابع: دعوى رجوع الغاية إلى الجامع بين الطهارة الواقعية والظاهرية، بان يكون معناها استصحاب الجامع بين الطهارتين، بأن يقال: إنّ استصحاب الجامع بين الطهارتين غايته هي أبعد الغايتين، وأبعد الغايتين هو العلم بالقذارة؛ إذ لولا العلم بالقذارة فلا أقلّ من احتمال بقاء الطهارة الواقعية، فالطهارة الظاهرية يمكن فرض القطع بانتفائها بحصول العلم بشيء يفرض جعل الشارع له غاية للطهارة الظاهرية، لكن الطهارة الواقعية لا يقطع بارتفاعها ما لم يعلم بالقذارة؛ ولهذا جعلت الغاية في الحديث هي العلم بالقذارة.
ويرد عليه: أوّلاً: أنّه قد يتّفق في مورد ما أنّه لا يعلم بالطهارة الواقعية حدوثاً أصلاً، وإنّما يعلم بالطهارة الظاهريّة التي ليست غاية استصحابها العلم بالقذارة، إذن فليست الغاية دائماً هي العلم بالقذارة.
وثانياً: أنّ إرجاع الغاية إلى الجامع بين جزئي الصدر يكون في قوّة إرجاعها إلى أحد الجزئين في كونه خلاف الظاهر، وإنّما الظاهر رجوعها إلى الطهارة بما هي منحلّة إلى قسمين، أيّ: إنّها تنظر إلى مجموع القسمين، لا الجامع بينهما.
الاتّجاه الثاني:
وأمّا الاتّجاه الثاني، وهو استفادة شيئين من الحديث، فهو تحته قولان:
القول الأوّل: ما اختاره المحقّق الخراساني(رحمه الله) في الكفاية من استفادة الطهارة الواقعيّة والاستصحاب(1).
وتحقيق الحال في ذلك: أنّ الاستمرار الذي يقصد جعله استصحاباً إمّا يراد استفادته من كلمة(حتّى) أو يراد استفادته من إطلاق كلمة(طاهر)، سواء كان بمقدّمات الحكمة، أو بقرينة الغاية، أو يراد استفادته من محذوف، بأن يقال مثلاً: كان التقدير هكذا: كل شيء طاهر وطهارته مستمرة حتّى تعلم أنّه قذر، كما ذكروه في مقام تصوير ما ينسجم مع هذا القول، (وهذا الوجه يمكن ذكره أيضاً في تصوير الاتّجاه الأوّل وإن كنّا حذفناه هناك).
(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 298 ـ 301 بحسب الطبعة المشتملة في حاشيتها على تعليقة المشكيني.