المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

173

وثانياً: أنّه سوف يأتي في المقام الثاني ـ إن شاء الله ـ أنّ الغاية راجعة إلى الصدر لا إلى الاستمرار، وعليه فلا يمكن أن يستفاد من الصدر الحكم الواقعي والظاهري معاً، بل يستفاد منه الحكم الظاهري فحسب؛ فإنّه هو الذي يناسب جعله مغيّىً بالعلم، والحكم الواقعي لا يناسب جعله مغيّىً بالعلم. أمّا الأوّل فواضح؛ فإنّ كلّ حكم ظاهري مغيّى بالعلم الموضوعي. وأمّا الثاني فلأنّ الحكم الواقعي لا معنى لأخذ العلم بالخلاف غاية له سواءً لوحظ العلم موضوعياً أو طريقياً. أمّا الأوّل فواضح؛ إذ لو جعل مغيّىً بالعلم الموضوعي لأصبح حكماً ظاهرياً لا واقعياً. وأمّا الثاني فلأنّه لو جعل مغيّىً بالعلم طريقياً لأصبح معنى الكلام هكذا: (كلّ شيء طاهر إلى أن يتنجّس)، وليس من الصحيح حمل الكلام على هذا المعنى؛ إذ لا معنىً لأخذ أحد الحكمين المتضادّين في موضوع الآخر، فيقال مثلاً: هذا حلال إلى أن يصبح حراماً؛ فإنّ هذا لغو ومحال.

وبعد التنزّل عن كلّ هذا يجب أن نرى أنّ الحكم الواقعي والظاهري هل هما متماثلان في الحقيقة، أو لا؟

فإن قلنا: إنّ الطهارة الواقعية أمر تكويني، والطهارة الظاهرية أمر جعلي، لزم من إرادة كلتيهما من قوله: «كلّ شيء طاهر» الجمع بين الإخبار والإنشاء، فهو قد أخبر بهذا الكلام عن طهارة تكوينية وهي الحكم الواقعي، وأنشأ طهارة جعلية وهي الحكم الظاهري.

وإن قلنا في خصوص الطهارة: إنّ الطهارة أمر اعتباري، بمعنى نظافة ونزاهة معنوية، والطهارة الظاهرية ـ أيضاً ـ أمر اعتباري، لكنّه بمعنىً آخر كتنزيل المشكوك منزلة المعلوم واعتبار ذاك الأمر الاعتباري الأوّل، أو قلنا بذلك في الحلّيّة ـ أيضاً ـ أي: أنّ الحلّيّة الواقعية أمر اعتباري، والحلّية الظاهرية اعتبار آخر كأن تكون اعتباراً لذاك الاعتبار مثلاً، جاء إشكال لزوم استعمال كلمة(طاهر) مثلاً أو هي مع كلمة(حلال) في معنيين، إلاّ إذا فرضت الطهارة والحلّيّة اسماً للجامع، لكنّه فرض على خلاف الواقع. هذا مضافاً إلى لزوم دلالة هذا الكلام على جعلين، وهي على حدّ استعمال اللفظ في معنيين.

وإن قلنا: إنّ حقيقة الحكم في باب الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية واحدة، وكذلك في باب الحلّية الواقعية والحلّية الظاهرية، فهذا الإشكال غير وارد؛ لأنّه لم تستعمل كلمة(طاهر) و(حلال) في معنيين، ولا يلزم استعمال الكلام في جعلين؛ إذ بالإمكان على هذا الفرض جعل حكمين بجعل واحد وإن كان هذا ـ أيضاً ـ لعلّه خلاف الظاهر؛ لمكان تعدّد الملاك، فملاك الحكم الواقعي هو مصلحة في متعلّقه، وملاك الحكم الظاهري هو التحفّظ على