المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

168

الإيراد الثالث: ما ذكره المحقّق النائيني(رحمه الله) من أنّ الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي، فكيف يمكن الجمع بينهما(1)؟!

وهذا الجواب أو روحه يمكن أن يقرّب بتقريبات ثلاثة:

التقريب الأوّل: ما هو الظاهر المستفاد من عبارة التقرير(2)، وهو أنّ الحكم الظاهري متأخّر رتبة عن الحكم الواقعي؛ لكونه في طول الشكّ الذي هو في طول الحكم الواقعي، فلو اتّحدا في الجعل لزم كون المتقدّم متأخّراً أو المتأخّر متقدّماً، وهو محال.

وذكر السيّد الاُستاذ: أنّ هذا إنّما يتمّ بناءً على كون الإنشاءات موجدات للمعنى، وأمّا بناءً على كونها مبرزات عن اعتبارات نفسيّة، فيمكن فرض تحقّق اعتبارين نفسيّين طوليّين، ثمّ الكشف عنهما بمبرز واحد(3).

أقول: إنّ هذا التفصيل لا محصّل له؛ فإنّنا إن جعلنا قوله: «كلّ شيء نظيف» إخباراً عن الطهارة، ارتفع هذا الإشكال بلا فرق بين أن يفرض الإنشاء إيجاداً للمعنى أو إبرازاً للاعتبار النفساني. وإن جعلناه إنشاءً كما هو مفروض الكلام عندهم، فكما يقال بناءً على كون


يصل أو لا يصل، فهذا إنّما يوجب التلازم في الوصول بين الجعلين دون المجعولين؛ لأنّ فعلية المجعول تابعة لفعلية الموضوع، وقد اختلف موضوع أحد الجعلين عن الآخر حسب الفرض؛ إذ اُخذ في موضوع الطهارة الظاهرية الشكّ في الطهارة الواقعية، وعلمنا بنجاسة الأعيان النجسة جعلنا قد نشكّ في الطهارة نتيجة شكّنا في الموضوع، وبهذا يصلنا موضوع الطهارة الظاهرية في حين أنّه لم يصلنا موضوع الطهارة الواقعية؛ لأنّنا عرفنا بسبب اطّلاعنا على نجاسة النجاسات أنّه ليس ما ورد في هذا الحديث وهو عنوان (شيء) تمام الموضوع للطهارة الواقعية، بل لموضوعها قيد آخر شككنا في وجوده، وبهذا انفصل أحد المجعولين عن الآخر في الوصول، على أنّنا ننكر التلازم بين الجعلين ـ أيضاً ـ في الوصول، فبالإمكان وصول الطهارة الظاهرية وعدم وصول الطهارة الواقعية بنحو الشبهة الحكمية؛ لأنّ النصّ على الطهارتين وإن كان واحداً وهو رواية: (كلّ شيء نظيف)، ولكن من الممكن أن يبتلي النصّ بلحاظ الطهارة الواقعية بمعارض لم يكن أقوى منه بالأخصيّة، كما لو كان المعارض الخاصّ مبتلىً بمعارض مساو له، وقلنا في مثل ذلك بتساقط الخاصّين مع العام، فعندئذ تكون الطهارة الواقعية غير واصلة لنا، ويحصل لنا الشكّ فيها، وبهذا يتمّ عندنا موضوع الطهارة الظاهرية.

(1) راجع أجود التقريرات: ج 2، ص 374 ـ 375، والفوائد: ج 4، ص 367 ـ 368 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

(2) عبارة أجود التقريرات مشتملة على إشكالين: أحدهما يمكن تطبيقه على التقريب الثالث، وهو الوارد في ص 374، والثاني هو التقريب الأوّل، وهو الوارد في ص 375. وعبارة الفوائد متأرجحة، فصدرها ظاهر في التقريب الثاني، وذيلها ظاهر في التقريب الأوّل، فراجع.

(3) راجع مصباح الاُصول: ج 3، ص 71.