المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

164

من صدر الحديث بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ لقوله: «كلّ شيء نظيف أو طاهر» عموماً أفرادياً تستفاد منه أحكام واقعيّة للأفراد، وإطلاقاً أحوالياً تستفاد منه أحكام واقعيّة للأحوال، كحالة كون الشيء حارّاً أو بارداً وغير ذلك، فيدلّ على طهارة الشيء أو حلّيّته في كلّ هذه الأحوال. وهذا الإطلاق الأحوالي يشمل حالة الشكّ أيضاً، فيثبت الحكم في حال الشكّ، وهذا ـ لا محالة ـ يكون حكماً ظاهرياً.

الوجه الثاني: ما قصد به الاستغناء عن الإطلاق الأحوالي، والاكتفاء بالعموم الأفرادي، فذكر: أنّ عمومه الأفرادي شامل لفرد ملازم للشكّ في نجاسته دائماً كالكبريت مثلاً، وهذا طهارته ظاهرية حتماً بلا حاجة إلى إطلاق أحوالي يشمل حال الشكّ؛ لأنّ هذا مشكوك في كلّ حال، ونتعدّى إلى حالة الشكّ في شيء لا يكون ملازماً للشكّ بعدم الفصل.

أقول: أمّا الوجه الثاني فواضح البطلان؛ فإنّ الكبريت مثلاً إنّما صار فرداً للعامّ بما هو كبريت بغضّ النظر عن كونه مشكوك الطهارة، ومجرّد الملازمة للشكّ لا يجعل الحكم ظاهرياً، وإنّما الحكم الظاهري ما اُخذ في موضوعه الشكّ، وهذا لم يؤخذ في موضوعه الشكّ، وإنّما هو أمارة على الطهارة موضوعها نفس الشيء، ورافعةٌ للشكّ.

وأمّا الوجه الأوّل فقد أورد المتأخرون عنه عليه بإيرادات:

الإيراد الأوّل: ما ذكره جملة من المحقّقين كالمحقّق النائيني(1) والمحقّق العراقي(2) والمحقّق الإصفهاني(3)(قدس سرهم) من أنّ الإطلاق هو رفض القيود لاجمعها، فشمول الإطلاق الأحوالي لحالة الشكّ ليس معناه أخذ الشكّ موضوعاً حتّى يكون حكماً ظاهرياً، وإنّما معناه: أنّه لم يؤخذ في الموضوع عدم الشكّ، وأنّ الطهارة هنا طهارة ثابتة بغضّ النظر عن الشكّ وعدمه، وهذه الطهارة لا تكون إلاّ طهارة واقعية.

أقول: إنّ هذا الإشكال وارد على كلام المحقّق الخراساني(رحمه الله) بالمقدار المبيّن في عبارته(قدس سره)، ولكن يمكن أن يقرّب مدّعى المحقّق الخراساني(رحمه الله) بتقريب آخر لكي لا يرد عليه هذا الإشكال.

بيانه: أنّه تارةً نتكلّم في الشكّ بنحو الشبهة الموضوعية، كالشكّ في خمرية مائع بعد العلم


(1) راجع أجود التقريرات: ج 2، ص 374.

(2) لم أجد ذلك في كلمات المحقّق العراقي(رحمه الله).

(3) راجع نهاية الدراية: ج 5، ص 94 بحسب طبعة آل البيت.