المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

127

ثمّ إنّ جريان أمثال هذه الاستصحابات في نفسها مرتبط ببحث يأتي ـ إن شاء الله ـ في مسألة لزوم اتّصال زمان اليقين بالشكّ. وضابط هذه الاستصحابات هو: أنّ الشكّ لم يحصل من ناحية نقطة الانتهاء، وإنّما حصل من ناحية نقطة الابتداء، فالمشكوك ليس على كلّ تقدير بقاء للمتيقّن، بل يكون نفس المتيقّن إذا كان المتيقّن حادثاً في الزمان الثاني.

ثم إنّ المحقّق العراقي بعد أن ذكر ما عرفته من إشكال مثبتيّة الاستصحاب اعترض على نفسه ـ على ما في تقرير بحثه ـ بأنّ عدم حجّيّة الأصل المثبت إنّما هو من باب قصور دليل الحجّيّة، فلو دلّ دليل في مورد على الحجّيّة في ذاك المورد التزمنا بها. وعليه فنقول: إن كان الاستصحاب في المقام مثبتاً فقد دلّت هذه الرواية على حجّيّة الاستصحاب المثبت في المقام(1).

ثمّ ذكر على ذلك جواباً(2) وعبارته مشوّشة، لا يتحصّل منها جواب فنّي، ولكي نعطي صورة لذلك الجواب نفترض فيه أصلاً موضوعياً، وهو أنّ حجّيّة الأصل المثبت إنّما تتعقّل بفرض تنزيل في المرتبة السابقة يكوّن أثراً شرعياً للمستصحب، ببيان: أنّه إذا اُريد استصحاب حياة زيد ليثبت الأثر الشرعي المترتّب على نبات لحيته الذي فرضناه لازماً عقلياً لبقاء حياته، فإنّما يمكن ذلك إذا فرض أنّ المولى في المرتبة السابقة أثبت تعبّداً وتنزيلاً نبات لحيته على تقدير بقاء حياته، وهذا النبات ليس أمر تكوينيّاً، وإنّما هو حكم شرعيّ؛ لأنّه نبات تعبّدي وتنزيليّ، وموضوعه بقاء الحياة لزيد، فأصبح بقاء الحياة ذا حكم شرعيّ، فيستصحب ليثبت ذلك الحكم، وهو نبات اللحية، وبالتالي يثبت أثر نبات اللحية.

إذا عرفت ذلك قلنا في المقام: إنّه إذا اُريد استصحاب عدم الكون في الركعة الرابعة ليثبت أثر كون الركعة الجديدة رابعة، فلا بدّ من فرض تنزيل وتعبّد في المرتبة السابقة، وهو التعبّد برابعيّة الركعة الجديدة، ومع التعبّد بذلك يرتفع الشكّ في الإتيان بالركعة الرابعة، ويتبدّل الى العلم بعدم الاتيان بها، إذ قد ثبت انّ الرابعة هي هذه الركعة الجديدة التي لم ياتِ بها بعد، فيرتفع موضوع استصحاب عدم الإتيان بالرابعة. وهذا بخلاف مثال نبات اللحية الذي لم


الخامسة، أو العكس، ومن الواضح تعارض الاستصحابين في ذلك، لا بما لو علم تفصيلاً بالطهارة في الساعة الرابعة وعلم إجمالاً بصدور الحدث في الساعة الخامسة أو صدوره حينما كان محدثاً، وقبل تطهّره في الساعة الرابعة.

(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع، ص 61.

(2) راجع نفس المصدر: ص 61 ـ 62.