المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

622

إذ بعد التحليل وصلنا الى رفع الموضوع.

أقول: إنّ تمام هذا الكلام قابل للمناقشة:

أمّا ما ذكر من أنّ الفرق بين التخصيص والحكومة: هو أنّ القرينيّة في التخصيص عقليّة، وفي الحكومة تكون بالدلالة العرفيّة فغير صحيح.

والتحقيق: أنّ الدلالة في كليهما عرفيّة، وإنّما الفرق بينهما: هو أنّ قرينيّة الحاكم تكون بظهور عرفي لنفس الحاكم في القرينيّة والمفسّريّة للمحكوم، وقرينيّة المخصّص تكون بظهور عرفي لسياق مجموع الكلام من المخصِّص والمخصَّص إذا كان أحدهما متّصلاً بالآخر ـ ويقصد بالظهور السياقي الظهور الناشىء من نسبة بعض أجزاء الجملة الى بعض من حيث التقديم والتأخير أو التخصيص والتعميم أو غير ذلك ـ فلو قال المولى: (أكرم كلّ عالم) و (لا تكرم النحويين) فمقتضى الظهور السياقي كون قوله: (لا تكرم النحويين) هو القرينة على التصرّف في (أكرم كلّ عالم)، وباعتبار اتّصال المخصِّص بالكلام لا ينعقد ظهور للكلام في العموم، وأمّا إذا كان أحدهما منفصلاً عن الآخر، فلو كان في كلام من يكون الانفصال في كلامه بحكم الاتّصال، كما هو الحال في الشارع الأقدس على ما سوف يأتي في محله ـ إن شاء اللّه ـ من أنّه جرت عادة الشارع الحكيم على الفصل بين أشياء من هذا القبيل، وأنّ وظيفتنا هي اعتبار الفصل بين كلماته كلافصل، وفرض الجمل المنفصلة في كلامه ككلام متّصل بعضه ببعض، فأيضاً يكون تقديم المخصِّص على أساس ما له من قرينيّة سياقيّة لو كان متّصلاً، فيقدّم المخصِّص على العامّ وتنهار به حجيّة العموم، لا أصل الظهور في العموم؛ لكونه منفصلاً بالفعل.

وأمّا لو كان في كلام إنسان عادي ليس مبناه على الفصل بين المتّصلات، فهنا ننكر الجمع بين العامّ والخاصّ بالتخصيص رأساً، بل يكونان كلامين متعارضين ومتنافيين، كما سوف يأتي ـ إن شاء اللّه ـ في محلّه، وإن كان يتراءى في بادىء النظر هذا شيئاً عجيباً يصعب قبوله باعتبار اُنس ذهننا بما قرأناه في الكتب الاُصوليّة من كون التخصيص جمعاً مقبولاً عند العرف.

والسرّ في المعاملة معهما معاملة المتعارضين وعدم كون الجمع بينهما عرفيّاً: هو ما عرفت من أنّ الظهور في القرينيّة إنّما كان مستفاداً من السياق، والمفروض انتفاء السياق بالانفصال بين الجملتين، وهذا بخلاف باب الحكومة، فالحاكم سواءً كان متّصلاً أو منفصلاً يقدّم على المحكوم، فعند الاتّصال يهدم الظهور، وعند