المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

618

فيتعيّن الأوّل، وهو المطلوب.

وأورد على ذلك السيد الاُستاذ: بأنّ الثالث لا يستلزم الترجيح بلا مرجّح، فإنّ الأدلّة الأوليّة بعضها مطلقة وبعضها عامّة، والقاعدة مطلقة، والتعارض إنّما يستحكم بين مطلق ومطلق، وأمّا المطلق مع العامّ فيقدّم العامّ عليه، فتقديم بعض الأدلّة الأوليّة وهي العمومات على القاعدة ليس ترجيحاً بلا مرجّح، فالعمومات تقدّم على إطلاق القاعدة، والإطلاقات تتعارض مع إطلاقها ويتساقطان(1).

أقول: إنّ هذا الكلام وإن كان رفعاً لمحذور الشقّ الثالث، ولكنّه رجوع الى محذور الشقّ الثاني، فإنّه على كلّ حال قد فرض سقوط القاعدة رأساً بتقدّم العامّ عليها في بعض الموارد، وبالتساقط مع المطلقات في الباقي.

هذا. ويمكن توجيه ما عرفته من التقريب الثالث(2): بأن يكون مراد من ذكره أنّ (لا ضرر) بنصوصيّته على نفي الضرر في الجملة وتخصيص بعض الأحكام يقدّم على المجموع، فيوقع التعارض بين أدلّة الأحكام الأوليّة أنفسها، وبعد التساقط نرجع الى إطلاق (لا ضرر). ولا يرد على ذلك أنّه إذا وقع التعارض بين أدلّة الأحكام الأوليّة أنفسها قدّمت عموماتها على إطلاقاتها، فإنّ تقديم العموم على الإطلاق إنّما نقول به عند تعارضهما بالتكاذب الصريح، فنقول ـ عندئذ ـ: إنّ العامّ قد يكون بأقوائيّته قرينة على رفع اليد عن الإطلاق، ولكن إذا كان تعارضهما بملاك تشكّل العلم الإجمالي بكذب أحدهما فلا يأتي هذا الكلام.

ويمكن الاستشكال في هذا التقريب بعد توجيهه بما عرفت بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّه لا وجه للرجوع الى إطلاق (لا ضرر) بعد تساقط إطلاقات


(1) راجع الدراسات: ج 3، ص 333 ـ 334.

(2) كأنّ السبب في حاجة هذا التقريب الى التوجيه رغم ما مضى من الاعتراض على ما أورده السيد الخوئي(رحمه الله) عليه: أنّ ذاك الاعتراض لا يصحّح التقريب بكامل جوانبه؛ وذلك لأنّ خلاصة الاعتراض على كلام السيد الخوئي والذي هو تأييد لذاك التقريب هي: أنّه لو قدّمت العمومات على (لا ضرر) واُسقط (لا ضرر) بالتعارض مع المطلقات لزم سقوط (لا ضرر) نهائياً، فهذا الشقّ الثالث ـ أيضاً ـ باطل كالشقّ الثاني، ولكنّ هذا كما ترى لا يثبت الشقّ الأوّل كاملاً؛ إذ يمكن أن يقال: إنّه يكفي لعدم سقوط (لا ضرر) نهائياً تقديمه على المطلقات فقط، فالعمومات تقدّم على (لا ضرر) لأرجحيّة العموم على الإطلاق و (لا ضرر) يقدّم على المطلقات؛ لكي لا يلزم سقوطه نهائياً، فدفعاً لهذا الضعف احتجنا الى التوجيه الوارد في المتن.