المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

617

أقول: إنّ هذا الكلام تامّ بناءً على أنّ الوجه في تقديم الخاصّ على العامّ هو الأظهريّة مثلاً من دون الاعتراف بأنّ الفاصل الزمني بين كلمات الشارع يعتبركلافصل.

وأمّا بناءً على ما سوف ياتي في محلّه تحقيقه ـ إن شاء اللّه ـ من أنّ الشارع حيث نصب قرينة عامّة على كونه بانياً على التدرّج في الكلام يُرى أنّ الفاصل الزمني بين كلماته كأنّه غير موجود، ولولا ذلك لم نقبل تقديم الخاصّ على العامّ، فإنّ العرف لا يجمع بين كلامين متنافيين بمجرّد كون أحدهما أخصّ من الآخر، بل يرى التعارض بينهما مستحكماً، وعند اتصال الخاصّ بالعامّ يرى بمقتضى السياق أنّ الخاصّ قرينة على العامّ، وكذلك إذا نصب المتكلّم قرينة عامّة على التدرّج في الكلام أصبح ـ بلحاظ عالم الحجيّة ـ الفصل بين كلماته كلافصل، فيقدّم الخاصّ على العامّ؛ لقرينيّته عليه لدى فرض الاتّصال. فعندئذ تتقدّم قاعدة (لا ضرر) على مجموع الأدلّة؛ لكونها أخصّ من المجموع؛ لأنّ الاتّصال لا يفرض بين كلّ واحد من تلك الأدلّة وهذه القاعدة فقط، بل يفرض الاتصال بينها وبين الكلّ معاً، ومن المعلوم أنّه لو كانت كلّ تلك الأدلّة مع تلك القاعدة متّصلاً بعضها ببعض لكانت القاعدة قرينة على تخصيص كلّ الأدلّة، فتقدّم على الكلّ(1).

التقريب الثالث: أنّ الأمر دائر بين أن تقدّم القاعدة على كلّ الأدلّة الأوليّة، أو تقدّم كلّ الأدلّة الأوليّة على القاعدة، أو يقدّم بعضها على القاعدة دون بعض، والثالث يوجب الترجيح بلا مرجح والثاني يوجب لغويّة القاعدة وسقوطها رأساً،


(1) لا يخفى أنّ ديدن الشريعة وعادتها إن كان قائماً على فصل المتّصلات بحيث يعتبر العرف الفصل كلا فصل، صحّ ما ادّعي في المقام، وكان حال ذلك حال ما لو تكلّم المتكلّم بالعامّ ثم غشي عليه ساعات ثمّ أفاق وتكلّم بالمخصّص، وإذا بلغ الأمر الى هذا المستوى كانت القرينة المنفصلة هادمة للظهور، ولكنّ الظاهر أنّ هذا المستوى من العادة للشريعة غير ثابت في المقام، وأمّا ما يكون دون ذلك من العادة ممّا لا يسقط الظهور، فلو أفاد شيئاً فإنّما يفيد بمقدار أن يبنى رغم الانفصال على قرينيّة أحدهما على الآخر، وأمّا تعيين كون القرينة هو الخاصّ مثلاً رغم أنّ قرينيّته كانت نتيجة الاتّصال المفقود في المقام بالانفصال الذي ليس كلا انفصال، فيتوقّف على دعوى أنّ جعل ما كان قرينة لدى الاتّصال قرينة لدى الانفصال أولى من جعل ما لم يكن قرينة لدى الاتّصال قرينة لدى الانفصال، وليس هناك وجه واضح لهذه الأولويّة، فبعد ما فقدنا الاتّصال يكون المحذوران متساويين، ولا يرجعان الى الأقلّ والأكثر.