المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

611

الحنطة مثلاً في مدّة معيّنة تكفي عادة لزرعها، ثمّ لم تكف تلك المدّة لذلك لعوارض وطوارىء خارجيّة كهبوب ريح أو تغيّر في الجوّ ونحو ذلك، وبعد انتهاء المدّة دار الأمر بين إبقاء الأرض تحت يد المتسأجر، أو قطع الزرع.

وما يذكر لعدم جريان قاعدة (لا ضرر) في المقام ووجوب الردّ وجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: الإقدام، وقد اختار المحقّق النائيني(قدس سره) هنا تحقّق الإقدام على الرغم من عدم قبوله ذلك في مسألة الإجناب العمدي مع العلم بمضريّة الغسل، وذكر في مقام الفرق بينهما ما ليس له محصّل فنّي يُذكر(1).

والتحقيق بعد غضّ النظر عن أنّه قد لا يكون إقدام، كما لو لم يعلم بأنّه سوف لا ينتهي الزرع قبل المدّة، ومجرّد احتمال تحقّق شيء غير مترقّب لا يثبت الإقدام: أنّه لا فرق من هذه الناحية بين هذة المسألة ومسألة الإجناب، والإقدام الرافع لقاعدة (لا ضرر) غير ثابت هنا؛ لنفس الوجه الذي لم يثبت لأجله هناك، فلو كنّا نحن والإقدام لقلنا: إنّ قاعدة (لاضرر) تجري وتدلّ على عدم وجوب الردّ.

نعم، نلتزم في مورد الغصب بعدم جريان القاعدة، فإنّه وإن كان الضرر معلولاً لما تعلّق غرضه به فيكون داخلاً فيما قلنا: إنّه يجري فيه (لا ضرر)، لكنّا أشرنا الى أنّه يأتي استثناء لذلك، وهنا نذكر ذاك الاستثناء الذي كنّا نقصده وهو: أنّه إذا كان إقدامه على العلّة بنحو محرّم فسوف يكون جريان (لا ضرر) في جانب المعلول فسحاً للمجال له لارتكاب العلّة المحرّمة، وفي مثل هذا الفرض ينصرف عن المورد حديث (لا ضرر) الصادر عن الشارع المحرّم لتلك العلّة المبغوض عنده تحقّقها.

الوجه الثاني: تعارض الضررين؛ إذ لو ردّ العين تضرّر المتسأجر بتلف الزرع، ولو لم يردّها تضرّر المالك في ماله فلا تجري القاعدة.

وتحقيق الكلام في ذلك أنّه تارة يتكلّم في الضرر العيني أي: الضرر باعتبار فوات نفس المملوك بما هي عين خارجيّة، أو بما هي منفعة العين، واُخرى في الضرر المالي أي: الضرر باعتبار قيمة المملوك.

أمّا بلحاظ الضرر العيني فالنقص الوارد على عين المملوك إن كان مع حفظ مقتضي سلطنة المالك عدّ ذلك نقصاً وضرراً، كما في الكافر الحربي الذي لا قصور في مقتضي السلطة بالنسبة له، وإنّما تجوز السرقة منه في طول فرض ثبوت مقتضي


(1) راجع قاعدة (لا ضرر) للشيخ موسى النجفي، ص 218.