المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

605

الاحتمال الثالث يصبح موضوع الأحكام الإلزاميّة: هو كلّ إقدام ناشىء من غير نفس تلك الأحكام، وأمّا الإقدام الذي ينشأ من نفس الحكم فليس هو الذي يحقّق الحكم؛ لأنّ كلّ إقدام ينشأ من نفس الحكم يُفنيه (لا ضرر)؛ إذ المفروض أنّ موضوع (لا ضرر) هو العدم ولو الناشىء من نفس (لا ضرر)، ولا محالة يكون (لا ضرر) مُفنياً لإقدام ينشأ من الحكم الذي يفنيه.

وأمّا إن أخذنا بالاحتمال الأوّل فأيضاً لا يلزم الدور، فإنّنا نقول في جانب الإقدام ووجوب الغسل ما كنّا نقوله في جانب عدم الإقدام وجريان (لا ضرر) في الاحتمال الثالث، أي: كما أنّه كنّا نقول: إنّ موضوع (لا ضرر) قضية شرطيّة مقدّمها ثبوت (لا ضرر) وتاليها عدم الإقدام، نقول هنا: إنّ موضوع وجوب الغسل هو قضية شرطيّة مقدّمها وجوب الغسل وتاليها الإقدام.

إن قلت: هذا معناه أنّ موضوع (لا ضرر) هو عدم الإقدام بغضّ النظر عن (لا ضرر)، ولكن موضوع وجوب الغسل ليس هو الإقدام بغضّ النظر عن وجوب الغسل، بل موضوعه هو (الإقدام لو وجب الغسل) فما معنى هذا التفكيك؟

قلت: إنّ تقيّد (لا ضرر) بعدم الإقدام كان مستظهراً من نفس (لا ضرر)، فيستظهر منه بتقريب يأتي: أنّ موضوعه هو (عدم الإقدام لولا لا ضرر)، وأمّا تقيّد وجوب الغسل بالإقدام فليس بالاستظهار العرفي منه حتّى يُقال مثلاً: يجب أن يستظهر من كليهما بشكل واحد، وإنّما هو بحكم العقل، باعتبار أنّ العامّ لابدّ من تقيّده بنقيض عنوان المخصّص أو الحاكم مثلاً، ومن المعلوم أنّه لابدّ في التخصيص من إخراج العنوان المأخوذ في المخصّص، ولابدّ من حساب ذلك بالتدقيق العقلي، ولا يرتبط ذلك باستظهار من نفس دليل العامّ. وعليه نقول: إنّ العنوان المأخوذ في المخصّص كان هو عدم الإقدام لولا (لا ضرر) فيبقى تحت العامّ نقيض ذلك وهو الإقدام لولا (لا ضرر)، وهذا مساوق لقولنا: (الإقدام لو وجب الغسل) فإنّ قولنا: (لولا لا ضرر) يساوق قولنا: (لو وجب الغسل)؛ إذ لو لم يجر (لا ضرر) وجب الغسل لا محالة.

بقي الكلام في أنّه هل نستظهر من (لا ضرر) كون عدم الإقدام المأخوذ فيه بالنحو المذكور في الاحتمال الأوّل، أي: عدم الإقدام لولا لا ضرر، أو نستظهر منه كونه بالنحو المذكور في الاحتمال الثالث، أي: لو جرى لا ضرر لما ثبت إقدام؟

الصحيح: هو الأوّل، بيان ذلك: أنّ قيد عدم الإقدام اُخذ من قرينة متّصلة وهي