المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

602

نعم، لو ثبت أنّ هذه الجنابة حكمها هو الغسل فقد أقدم على الغسل؛ لأنّ المُقدِم على الموضوع عن عمد وعلم مقدِم على حكمه، فصدق الإقدام موقوف على كون حكم هذه الجنابة الغسل، وذلك بعدم جريان (لا ضرر) وهو موقوف على الإقدام، فأصبح الإقدام دورياً فلا إقدام.

أقول: تارة نتكلّم فيما ذكره هنا من تقريب عدم جريان (لا ضرر) في البيع الغبني بنكتة الإقدام، واُخرى في أنّ هذه النكتة هل تختصّ بمثال الغبن، ولا ترد في مثال الجنابة حتّى يتمّ الفرق أو لا؟ فيقع الكلام في مقامين:

المقام الأوّل: في ثبوت الإقدام على الضرر وعدمه في مسألة البيع الغبني.

يمكن أن يقال في بادىء الأمر: إنّه لا إقدام هنا على الضرر، وإنّما حال تعمّد البيع هو حال تعمّد الجنابة، فإنّ البيع بنفسه إنشاء مبادلة، وهذا الإنشاء ليس هو الضرري، وإنّما الضرري هو ما يترتّب عليه من حكمه، وهو قانونيّته وإمضاؤه عيناً من قبيل أنّ الجنابة ليست هي الضرريّة، وإنّما الضرري هو ما يترتّب عليه من الحكم وهو الغسل، فالإقدام هنا ـ أيضاً ـ يكون دورياً بنفس تقريب دوريّته في باب الغسل، ولا فرق بين الفرعين فأيّ شيء يثبت في أحدهما يثبت في الأخر.

ولكنّ هذا الكلام واضح الفساد فإنّ البيع وإن كان مدلوله الاستعمالي هو الإنشاء، ولكن مدلوله الجدّي هو الإقدام على أثره القانوني، وتحصيل التبادل الحقيقي بين المالين، فالإقدام ثابت.

نعم، هنا تقريب آخر لمنع حصول الإقدام على الضرر: وهو ما أفاده المحقّق العراقي(قدس سره) في المقام: من أنّ الإقدام إنّما هو على حدوث المبادلة، والحدوث ليس هو الذي نريد رفعه بـ(لا ضرر) فإنّ المفروض في البيع الغبني أنّه صحيح غير لازم، وإنّما الذي نريد رفعه هو جانب البقاء، وهو لم يقدم على جانب البقاء، فإنّ مدلول البيع إنّما هو إحداث التمليك والتملّك(1).

أقول: هذا الكلام في غاية المتانة بناءً على مبناه(قدس سره) في المعاملات من أنّها لا تدلّ إلّا على حدوث المبادلة، وأمّا لزومها وعدم لزومها فهو حكم تعبّدي صرف، وليس إمضاءً لما فعله المتعاملان.

وأمّا بناءً على مبنى المحقّق النائيني(قدس سره) والذي هو الصحيح: من أنّ المعاملة


(1) راجع نفس المصدر.