المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

584

النكتة الاُولى: أنّه إذا فرض أنّ فرداً من أفراد الضرر اليوم لم يكن موجوداً في عصر الشارع، لكنّه كان واجداً لنكتة أحد الحقوق العقلائيّة آنئذ، أي: أنّ العرف والعقلاء في ذلك الوقت وإن لم يلتفتوا الى هذا الفرد لعدم وجوده، لكنّهم كانوا يرون المفهوم بنحو يشمل هذا الفرد، فلو عرض عليهم هذا الفرد واُلفِتوا إليه لحكموا بثبوت الحقّ العقلائي فيه، وكون مخالفته ضرراً، فدليل (لا ضرر) شامل لمثل ذلك، فإذا سلّم أنّ حقّ الطبع الثابت في زماننا هذا للمؤلّف مثلاً مشمول لنكتة المالكيّة بالحيازة الثابتة ـ وقتئذ ـ ثبت هذا الحقّ بقاعدة (لا ضرر)، فالعبرة إنّما هي بسعة دائرة النكتة العقلائيّة للحقّ، والضرر في ذلك الزمان وضيقها، لا بما هو المصداق الفعلي لذلك وقتئذ.

النكتة الثانية: أنّه عند الشكّ في ذلك، وأنّ الحقّ الكذائي كان ثابتاً في عصر الشارع أو لا لا نحتاج الى إثبات شواهد تأريخيّة مثلاً على الثبوت في ذلك العصرـ وهذا ما يتعذّر ويتعسّر غالباً ـ بل يكفي إجراء أصالة الثبات في اللغة؛ لما عرفت من أنّ الارتكاز العرفي المعاصر يعطي ظهوراً للفظ على أساس الإطلاق اللفظي أو المقامي.

وبما ذكرناه تنحلّ عقدة نفسيّة في الفقه الشيعي ابتلى بها الفقه السنّي قبل الفقه الشيعي فحلّها بالمصالح المرسلة ونحو ذلك، ثمّ ابتلى بها الفقه الشيعي، توضيح ذلك: أنّ العامّة حيث انتهى عصر النصوص عندهم بموت النبي(صلى الله عليه وآله) وقعوا في حيرة من ناحية المسائل المستجدّة وتطوّر الزمن، وأراحوا أنفسهم بفتح باب مثل المصالح المرسلة. والشيعة كانت تؤمن بأنّ النصّ الوارد عن الإمام(عليه السلام) كالنصّ الوارد عن النبي(صلى الله عليه وآله) فلم يبتلوا بذلك في زمان الأئمّة(عليهم السلام)، ولكنّهم ابتلوا في عصر ما بعد الأئمّة (عليهم السلام)، وأخيراً توصّلوا الى ما هو في الحقيقة إشباع لهذا النقص الفعلي، وهو التمسّك بالسيرة العقلائيّة، وتعارف الاستدلال بها أخيراً في زماننا حتّى أنّه قيل: إنّها دليل خامس من أدلّة الأحكام الشرعيّة. وقد مضى منّا بحث مفصّل عن السيرة العقلائيّة، وبيّنا أنّها إنّما تفيد لو ثبتت معاصرتها لزمان المعصوم (عليه السلام)، وذكرنا ضوابط لإثبات المعاصرة، لكنّها لا تشمل عدا مقدار قليل من السير العقلائيّة. ونقول هنا: إنّ هذه التطوّرات الزمنيّة إنّما تؤثّر غالباً في الاُمور المعامليّة والقوانين الاجتماعيّة، فإنّها هي التي تتطوّر بمرور الزمن، ويمكن حلّ المشكلة فيها بإبداء احتمال أنّها وإن لم تكن موجودة في زمن الشارع بمصداقها، لكنّها لعلّها كانت موجودة بنكتتها، وأنّ هذه