المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

582

وتخيّل الناس أنّ زيداً عالم مع أنّه كان جاهلاً، ففي مثل ذلك لا إشكال في أنّ العنوان المأخوذ في كلام الشارع لا يشمله، فإن عدّ الناس ذلك من أفراد هذا العنوان إنّما هو من باب الإخبار، والمفروض أن إخبارهم كاذب في المقام.

الثاني: أن يكون ارتكاز فرديّته للعنوان من باب الإنشاء لا من باب الإخبار، أي: أنّ العرف يوجد فرداً لذلك العنوان، وهذا الإيجاد وإن كان قد يفرض اختصاصه بعرف خاصّ، لكن النتيجة وهي فرديّة ذلك الشيء للعنوان تثبت ثبوتاً حقيقيّاً مطلقاً لا ثبوتاً نسبيّاً، وذلك كما في مفهوم التعظيم، فإنّ له فرداً حقيقيّاً كأمتثال الأمر، وفرداً عرفيّاً يثبت بالارتكاز كالقيام في عرفنا، وبعد أن جَعَلَ عرفٌ مّا القيام تعظيماً يصبح ذلك تعظيماً حقيقة، وحتّى من لم يوافق هذا العرف يعترف ـ أيضاً ـ حينما يرى شخصاً من أهل هذا العرف قام لشخص آخر بأنّه عظّمه، فإنّ التعظيم ليس إلّا إظهار ما يدلّ على عظمة هذا الشخص في نفس المعظِّم، وقد جعل القيام دالّا على ذلك من قبيل جعل لفظ دالّا على معنىً. وفي مثل هذا لا إشكال في أنّ العنوان المأخوذ في لسان الشارع يشمل هذا الفرد، ولو فرض تجدّده في زمان متأخّر عن زمانه، فإنّه فرد حقيقي مطلق، وهو تماماً من قبيل ما اذا حكم المولى بالمطهّريّة مثلاً على الماء ثمّ وُجِد فرد من الماء بعد زمان الشارع بأسباب طبيعية أو بالعلاج.

الثالث: أن تكون فرديّته للعنوان بالإنشاء، وتكون النتيجة ـ أيضاً ـ ضيّقة ونسبيّة، كما يكون أصل الإنشاء مختصّاً بعرف دون عرف، ومعنى ذلك: أنّ الفرد الذي اُوجد بهذا الإنشاء فرد في منظار هذا الإنشاء لا مطلقاً، ومثال ذلك هو النقص والضرر، فله مصاديق حقيقيّة كقطع اليد، وله مصاديق ارتكازيّة، كما في مثل نقص المال المملوك لزيد، فإذا فرض في عرف من الأعراف أنّ هذا المال ملك لزيد ثمّ اُخذ منه، فالخارج عن هذا العرف ـ أيضاً ـ يحكم بتضرّر زيد في هذا العرف، لكن ليس هذا حكماً مطلقاً بالضرر، بل يقال من قبل أهل هذا العرف، ومن قبل غيرهم: إنّ زيداً طرأ في حقّه الضرر والنقص بمنظار كون هذا المال ملكاً له، ولم يطرأ عليه أيّ نقص وضرر بمنظار آخر لا يرى هذا المال ملكاً له.

والصحيح: أنّ العنوان المأخوذ في كلام الشارع في مثل هذا المورد يشمل الأفراد العرفيّة في عصره، ولا يشمل الأفراد المستجدّة في الأعصر المتأخّرة.

أمّا شموله للأفراد العرفيّة في عصره؛ فلأنّ الشارع رجل عرفي يخاطب العرف، فيكون كلامه ظاهراً في المعنى العرفي وبالمنظار العرفي، فيتمّ الإطلاق