المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

56

الغرض الإلزاميّ المعلوم بالإجمال.

وقد ظهر من تمام ما ذكرناه: أنّ الترخيص في أطراف العلم الإجماليّ إنـّما ينفى لمحذور إثباتيّ من دون أن يكون في ذلك محذور ثبوتيّ، ولذا لو دلّ دليل على الترخيص في أطراف العلم الإجماليّ ـ كما في بعض موارد جوائز السلطان، وآخذ الربا الذي تاب، وبعض موارد اُخرى قد يقف عليه المتتبّع ـ نلتزم بالترخيص فيها، وجواز المخالفة القطعيّة إن تمّ عندنا الحديث سنداً ودلالة.

ثمّ إنّ ما عرفته من النكتتين المانعتين عن إجراء الاُصول المرخّصة في قبال العلم الإجماليّ بالإلزام، لا تمنعان عن إجراء الاُصول الملزمة في قبال العلم الإجماليّ بالترخيص، فلو علمنا إجمالاً بحلّيّة أحد الأمرين ولو مع احتمال حلّيّة كليهما أيضاً، وكان مقتضى الأصل العمليّ الاجتناب عنهما، وجب الاجتناب عنهما، ولايمنع عن ذلك شيء من النكتتين، أمـّا النكتة الثانية، فلوضوح عدم ارتكاز التصادم في نظر العرف والعقلاء بين الإلزامين الظاهريين والغرض الترخيصيّ المعلوم بالإجمال. وأمـّا النكتة الاُولى، فلأنّ غاية ما تقتضيه هو احتمال أن يكون الغرض الترخيصيّ المعلوم بالإجمال مقدّماً عند المولى على احتمال الإلزام في كلّ من الطرفين، لكن احتمال ذلك لا يفيد شيئاً، ولا بدّ من الاحتياط في كلا الجانبين، حتى على القول بقاعدة (قبح العقاب بلا بيان)، ما دام أنـّه قد ثبت أنّ احتمال الإلزام في كلّ واحد من الطرفين لا يرضى المولى بمخالفته في نفسه، في قبال احتمال الترخيص، فإنّ هذا كاف في عدم جريان قاعدة (قبح العقاب بلا بيان)(1)، فلا يبقى لنا مؤمّن في المقام، لا عقليّ؛ لعدم جريان القاعدة، ولا شرعيّ؛ لأنّ الترخيص بملاك التزاحم الثاني لم يثبت، وبملاك التزاحم الأوّل قد ثبت خلافه.


(1) الأقوى من هذا أن يتمسّك بما مضى في بعض تعليقاتنا السابقة من أنّ النكتة الصحيحة لكون مثل (رفع ما لا يعلمون) ظاهراً في الترخيص الحيثيّ، أي: الترخيص من حيث الشكّ وعدم العلم، من دون أن ينافي ذلك فرض الإلزام من حيث العلم الإجماليّ بحكم إلزاميّ، إنـّما هي ما شرحناه من أنّ العرف يحمل جميع الأدلّة الترخيصيّة على الحكم الحيثيّ، وذلك بأحد بيانين مضيا: من نكتة الغلبة، ومن نكتة أنّ الإباحة تعني نفي كون الحيثيّة الفلانيّة موجبة للتحريم، لا أنـّها تخلق الحلّ، وكلا هذين البيانين لا يأتيان في طرف التحريم، فلا يأتيان في المقام في الأصل الإلزاميّ، وإنـّما يختصّان بالأصل الترخيصيّ.