المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

55

والفرق بين هذين الأمرين واضح، فإنّ الأمر الأوّل عبارة عن دعوى نكتة لفظيّة قائمة على أساس ارتكازهم بلحاظ اللغة والألفاظ، والأمر الثاني عبارة عن نكتة معنويّة قائمة على أساس ارتكازهم بما لهم موالي وعبيد ومصالح ومفاسد وأغراض، فلو فرضنا أنّ مناسبات الألفاظ واللغة لا تقتضي اختصاص مفاد الدليل بإعمال قوانين التزاحم في القسم الأوّل من التزاحم، فدلّ الكلام ـ لولا النكتة الثانية ـ على الترخيص في موارد العلم الإجماليّ، كَفَت النكتة الثانية للانصراف، ومع الانصراف لا بدّ عقلاً من الاحتياط، بل لا تبعد دعوى أنـّه توجب تلك النكتة دلالة الحكم الواقعيّ بالملازمة العرفيّة على إيجاب الاحتياط في مورد العلم الإجماليّ.

وتظهر ثمرة عمليّة بين هاتين النكتتين في الشبهات التحريميّة الموضوعيّة بلحاظ قوله: «كلّ شيء لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه»، حيث إنّ كلمة (بعينه) قرينة على النظر إلى تقديم جانب الترخيص، حتى بلحاظ الغرض الإلزاميّ المعلوم بالإجمال، فالنكتة الاُولى غير جارية هنا، وإنـّما تختصّ بمثل (رفع ما لا يعلمون)، (وكلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي)، ونحو ذلك ممّا لم تؤخذ فيه كلمة (بعينه)، لكنّ الارتكاز ثابت ـ أيضاً ـ في موارد الشبهات التحريميّة الموضوعيّة، فيقيّد به إطلاق الحديث، ولوكنّا نحن والنكتة الاُولى، لكنّا نلتزم في الشبهات التحريميّة الموضوعيّة بجواز المخالفة القطعيّة للعلم الإجماليّ.

ولا يقال: إنّ كلمة (بعينه) صريحة في الترخيص في أطراف العلم الإجماليّ، وليست دلالة الحديث على ذلك بالإطلاق، كي يقيّد الإطلاق بالارتكاز.

فإنـّه يقال: إنّ دلالة الحديث على البراءة في أطراف العلم الإجماليّ وإن كانت واضحة بلحاظ كلمة (بعينه)، لكنّ الارتكاز المانع عن جريان البراءة ليس ثابتاً في تمام موارد العلم الإجماليّ، فمثلاً في مورد الشهبة غير المحصورة، لا يكون هذا الارتكاز ثابتاً، وكذلك في بعض موارد اُخرى، كما يأتي تفصيل ذلك ـ إن شاء الله ـ، فالارتكاز يمنع عن انعقاد الإطلاق في الحديث لموارد العلم الإجماليّ الواجد لشرائط معيّنة.

وتظهر الثمرة ـ أيضاً ـ بين النكتتين في الاُصول التي جعلت بلسان الكشف، فإنّ النكتة الثانية تجري فيها، لكنّ النكتة الاُولى لا تجري فيها، وذلك لأنّ العرف لا يتعقّل التبعيض في الكشف، ولا يساعد في باب الكشف على التفكيك بين الأمرين، بأن يقال: إنّ هذا الاحتمال كاشف عن الواقع، في قبال الاحتمال الآخر، لكنّه غير كاشف في قبال وجود غرض إلزاميّ معلوم بالإجمال، وهذا بخلاف باب الترجيح، فلا بأس بأن يقال: إنّ هذا الاحتمال يقدّم على الاحتمال الآخر بما هو، ولا يقدّم على