المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

54

تقديم جانب الإلزام، أو أنّ نفس تلك النكتة التي اقتضت تقديم جانب الترخيص في الشبهات البدويّة، وهي المطابقة لمرتكزات العقلاء مثلاً، اقتضت هنا العكس.

وقد يفرض أنّ الغرض الترخيصيّ لم يتعلّق بمطلق إطلاق العنان، بل تعلّق ـ كما هو الظاهر المحدوس ـ بإطلاق العنان تجاه المباحات الذي لا يساوق إطلاق العنان تجاه المحرّمات، بأن يكون العبد ـ بعد فرضه غير مطلق العنان بلحاظ المحرّمات ـ مطلق العنان بلحاظ المباحات. وعليه ففي مورد الشكّ البدويّ يحتمل المولى ثبوت الغرض الترخيصيّ، بأن يكون المشكوك في الواقع حلالاً، لكن في مورد العلم الإجماليّ لا يحتمله، لأنّ الترخيص ـ ولوفي أحد الجانبين تخييراً ـ مساوق لإطلاق العنان بوجه من الوجوه تجاه المحرّمات. وهذا واضح لو فرض أنّ المقصود بمساوقة الترخيص للترخيص تجاه الحرام مساوقته له ولو في نظر العبد.

وأمـّا لو كان المقصود مساوقته له في نظر المولى وفي الواقع، فهنا قد يستشكل في المقام بأنـّه ليس كلّ علم إجماليّ حصل للعبد لا بدّ أن يكون مطابقاً للواقع، وتامّاً في نظر المولى. وعليه فقد يقع التزاحم بين الأغراض حتى في مورد العلم الإجماليّ بنحو يوجب تقديم جانب الترخيص.

لكن لا يخفى أنـّه لو دلّ دليل بالخصوص في أطراف العلم الإجماليّ على الترخيص، أمكن أن يستكشف بذلك تزاحم الأغراض عند المولى ولو من باب تخطئته للعلوم الإجماليّة لعبده مثلاً، لكن لو كنّا نحن والدليل المتعارف، لا يمكننا التعدّي إلى موارد العلم الإجماليّ؛ لعدم الملازمة، والعبد العالم بالعلم الإجماليّ يرى ـ لا محالة ـ أنّ هذا العلم مطابق للواقع، وتامّ في نظر المولى، وهذا نظير أنـّه لا يتعدّى في الترخيص إلى موارد العلم التفصيليّ، مع أنـّه في موارد العلم التفصيليّ ـ أيضاً ـ قد يكون علم العبد خاطئاً في الواقع، وعند المولى، فيقع التزاحم بين الأغراض.

الأمر الثاني: ارتكاز المضادّة بين الحكم الواقعيّ والترخيصيّ في الأطراف، الذي أدركه الأصحاب بسلامة وجدانهم وإن تخيّلوه ارتكازاً عقليّاً، فاختاروا المانع الثبوتي من جريان الاُصول، ونحن قلنا: إنـّه ارتكاز عقلائيّ ناشىء من تعايشاتهم العقلائيّة، لا من عقلهم صِرفاً، وهذا الارتكاز ـ بعد أن علمنا من ظاهر أدلّة الاُصول، أو من الخارج أنـّها ليست بصدد نسخ الحكم الواقعيّ ونفيه ـ يصبح قرينة على عدم إرادة الترخيص في أطراف العلم الإجماليّ ولو بنحو الضيق في المحمول.