المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

52

الأحكام الظاهريّة ملاكها عين ملاكات الأحكام الواقعيّة، وأنّ الحكم الظاهريّ حافظ ثان للأغراض في طول الحافظ الأوّل، وهي الخطابات الواقعيّة، فنقول في مقام حلّ الإشكال: إنّ جعل المولى للبراءة في مورد الشكّ، يتصوّر بأحد أنحاء ثلاثة:

1 ـ أن يلحظ المولى الشكّ في الحكم بنحو القضيّة الفرضيّة، ويرى قوّة المحتمل في جانب الترخيص فيجعل البراءة.

2 ـ أن يلحظ المولى الشكّ بنحو القضيّة الفرضيّة أيضاً، ويدخل في الحساب جانب الاحتمال أيضاً، كما لو رأى مثلاً أنّ المحرّمات تصل عادةً إلى العبد، فنفس شكّ العبد أمارة على الإباحة، فجعل البراءة، ولا يلزم من ذلك تحوّل البراءة من كونها أصلاً إلى كونها أمارةً؛ لأنـّنا نفرض أنّ هذا الحساب إنـّما اعتمد المولى عليه لنكتة ثابتة في خصوص مادّة معيّنة، وهي باب التحريمات والترخيصات مثلاً. أمـّا لو حصل مثل هذا الحساب في باب اشتباه الواجب بالحرام، أو في باب آخر، فقد لا يعتمد المولى عليه هناك، فتمام الملاك للتقديم ليس هو حساب الاحتمال، بل للمحتمل دخل في المطلب.

3 ـ أن يفترض أنّ المولى لاحظ الشكوك الخارجيّة، وجعل البراءة باعتبار مجموع ما للترخيصات من الكميّة والكيفيّة.

وعلى أيّ نحو من هذه الأنحاء الثلاثة، لا ملازمة بين الترخيص بلحاظ التزاحم الأوّل والترخيص بلحاظ التزاحم الثاني.

أمـّا على الأخير فواضح، إذ قد تختلف نسبة الكميّة بلحاظ الشبهات البدويّة والشبهات المقرونة بالعلم الإجماليّ(1) .

وأمـّا على الثاني فواضح أيضاً؛ إذ قوّة الاحتمال الثابتة في جانب الترخيص


(1) أو يُفترض أنّ النسبتين متساويتان، ولكن مقدار الترخيص الذي حصل بجعل البراءة في الشبهات البدويّة أشبع شدّة الحاجة إلى الترخيص والتوسعة على العباد بالمستوى الذي كان قد أوجب تقديم جانب الترخيص، وبكلمة اُخرى: يفترض أنّ رجحان ملاك الترخيص على ملاك الإلزام لم يكن بلحاظ كلّ فرد فرد من الترخيص، بل كان بلحاظ شدّة حاجة العبد إلى مبلغ من الترخيصات، بحيث كان جعل الاحتياط في تمام الموارد موجباً لوقوع العبد في حرج يفوق خسارة ملاك الإلزامات الواقعيّة، وقد انحلّ ذلك بجعل البراءة في موارد الشبهات البدويّة، فلم تبقَ حاجة إلى جعل البراءة في موارد العلم الإجماليّ.