المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

478

مسألة التعلّم وعدم تأتّيه في تمام المقدّمات المفوّتة، وذلك الكلام هو عبارة عن إشكاله على المحقّق الخراساني القائل باستحالة الترتّب، فقد أورد عليه المحقّق العراقي (رحمه الله)بأنّ لازم القول بوجوب الواجبات من أوّل البلوغ تبريراً لوجوب التعلّم هو الالتزام بالترتّب؛ لأنّ صوم شهر رمضان مثلاً واجب من أوّل البلوغ وقضاءه وتكفيره ـ أيضاً ـ واجب من أوّل البلوغ على تقدير تركه لصوم شهر رمضان، مع أنّ قضاءه وتكفيره يستحيل أن يجتمع مع صوم شهر رمضان؛ إذ مع الإتيان بالصوم لا يمكن قضاؤه وتكفيره، وهذا هو أمر بالضدين على وجه الترتّب(1).

أقول: إن كان المحقّق الخراساني (رحمه الله) يستظهر وجوب ذات الصوم بعد شهر رمضان وذات الإطعام لستّين مسكيناً مثلاً على من أفطر في شهر رمضان، فهذا ليس مضادّاً لصوم شهر رمضان. نعم، وقوع كليهما في الخارج متّصفاً بصفة الوجوب غير ممكن، لكنّ هذا ليس داخلاً في الأمر بالضدّين.

وإن كان يستظهر وجوب عنوان التدارك مثلاً، فعندئذ يقع التضادّ بين متعلّقي الحكمين، لكنّ المحقّق الخراساني (رحمه الله) لم يكن يقول بأنّ الأمر بالمهمّ يتنافى مع الأمر بالأهمّ من باب أنّ الأمر به أمر بإيجاد مقدّمة وجوبه، وهو ترك الأهمّ فيتنافيان، بل هو يصرّح بأنّ الأمر بالشيء لا يترشّح الى مقدّمة وجوبه، وإنّما يقول بأنّ الأمر بالضدّين تحريك نحو أمر غير مقدور، وأنّ الأمر بكلّ واحد من الضدّين تبعيد عن الضدّ الآخر، والأمر بذلك الضدّ الآخر تقريب نحوه، فيتنافيان. وهذا كما ترى إنّما يكون في مورد تقارن فاعليّة الحكمين ومحركيّتهما للمكلّف الى ذات العملين المتضادّين، لا فيما إذا كانت محرّكيّة الأمر بالمهمّ بعد سقوط الأمر بالأهمّ كما فيما نحن فيه، فإنّ باعثيّة الأمر بالقضاء لذات القضاء إنّما هي بعد مضيّ زمان صوم شهر رمضان. وكذلك باعثيّة الأمر بالكفّارة لفعل الكفّارة إنّما هي بعد تحقّق المعصية المكفّر عنها.

ثمّ إنّنا قلنا: إنّ كلام المحقّق العراقي (قدس سره) لا يأتي في تمام المقدّمات المفوّتة، وإنّما يكون مختصّاً بما يكون من قبيل ما نحن فيه؛ وذلك لأنّنا إذا تكلّمنا مثلاً في غسل المستحاضة قبل الفجر بناءً على كونه شرطاً في صحّة صومها، فليس من اللازم أن نلتزم بوجوب القضاء في زمان وجوب صوم شهر رمضان حتّى يأتي إشكال


(1) راجع المقالات: ج 2، ص 110.