المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

466

أصلين مركوزين في نظر العقلاء حتّى يُصرف إليهما الدليل اللفظي الدالّ عليهما؛ ولذا لا نقبل الاستدلال على الاستصحاب بالسيرة العقلائيّة.

فإن قلت بالنسبة لخصوص أصالة الطهارة: إنّ مرجعها بحسب الحقيقة الى البراءة والإعفاء عن آثار النجاسة، فهي شعبة من شعب أصالة البراءة، فالارتكاز المحكّم في الأصل يحكّم في هذه الشعبة أيضاً.

قلت: ليس الأمر كذلك، فإنّ أصالة الطهارة ليست مخصوصة بخصوص موارد البراءة العقلائيّة من قبيل التأمين عن حرمة شرب الماء المحتمل النجاسة، ولا يقوم دليل أصالة الطهارة فقط بوظيفة البراءة وإنّما يقوم ـ أيضاً ـ بوظائف اُخرى مهمة لا تقوم بها البراءة، بل لولا أصالة الطهارة لكان الجاري عند العقلاء والعقل أصالة الاشتغال، فمثلاً: دليل أصالة الطهارة يحرز وجود الشرط للواجب في الموارد التي يعلم بتعلّق التكليف فيها بالوضوء بالماء الطاهر، مع أنّ الأصل العقلي والعقلائي عند الشكّ في ذلك هو الاشتغال؛ لأنّ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني(1).

الوجه الثاني: إيقاع المعارضة بين إطلاق دليل البراءة وإطلاق قوله تعالى: ﴿حتّى يبيّن لهم ما يتقون وهذا الوجه كما ترى يأتي هنا أيضاً، فلو وجدت رواية في كتاب الوسائل تدلّ على النجاسة، أو على خلاف الحالة السابقة كان هذا بياناً ودخل في الآية الشريفة.

الوجه الثالث: احتمال القرينة المتّصلة بلحاظ شدّة اهتمام الشارع بإيصال التكليف، وإفناء الشكّ في التكليف في الشبهات الحكميّة، وهذا الوجه كما ترى لا يفرق فيه بين البراءة وأصالة الطهارة والاستصحاب النافي للتكليف.

الوجه الرابع: حكم العقل، وقد قلنا: إنّه يرجع الى حكم العقلاء فيرجع الى الوجه الأوّل. وقد تقدّم الكلام فيه.

الوجه الخامس: دعوى أنّه قبل الفحص نحتمل وجود حجّة على التكليف الإلزامي أو على النجاسة، فيكون التمسّك بالعموم تمسّكاً به في الشبهة المصداقيّة.


(1) لعلّ المقصود بهذا الكلام تنبيه الوجدان على أنّ مضمون أصالة الطهارة من حيث اللّسان يختلف عن مضمون أصالة البراءة وإن اشتركا في التأمين، فأصالة البراءة تثبت التأمين بلسان التأمين مباشرة، ولكنّ أصالة الطهارة تثبت التأمين بلسان إثبات الطهارة، فلا تحمل عرفاً على حدود البراءة العقلائيّة، بل تبقى شاملة لموارد الافتراق.