المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

462

وعلى أيّ حال، فمن الناحية الكبرويّة لا بدّ من الفحص في تمام المقامات؛ لأنّه ليست هناك عادة منتزعة عن عمل نفس المولى حتّى يقتصر على تلك العادة.

هذا كلّه من ناحية السند.

وأمّا من ناحية الدلالة، فلابدّ من الفحص في المقام بمقدار الخبرة الذاتيّة للمجتهد الخبير، ولابدّ له من أن يُعمِل قدرته في فهم المعنى من اللفظ بالنحو المتعارف بين الخبراء بالنسبة لتلك المادة، وقد يَدخُلُ في هذا المتعارف ـ أحياناً ـ الاستفادة من الخبرات السابقة أيضاً؛ لأنّ الخبراء في كلّ علم قد يستفيدون من الخبرات السابقة إذا انقدح في ذهنهم احتمال أن يكون الخبراء السابقون قد تنبّهوا الى مطلب يخفى عليهم لولا هذا الفحص، فهذا المقدار الاعتيادي الذي يعمله كل خبير في مقام التوصّل الى الحقيقة في مجال خبرته لا بدّ منه في المقام، وأمّا الزائد على هذا المقدار بحيث يُنفى احتمال أن يكون الأشخاص الآخرون استفادوا من الاُصول الموضوعيّة ـ المشتركة بينه وبينهم ـ نكتة لم يستفدها هو منها، فهذا غير لازم؛ لأنّ مثل هذا الارتكاز غير موجود عند العقلاء، فيُرجع الى إطلاق دليل البراءة؛ لأنّ تقييد إطلاقه إنّما كان باعتبار ارتكاز لزوم الفحص في الأذهان العقلائيّة، فيقدّر التقييد بقدره، فيجوز لهذا المجتهد ـ الذي يحتمل أن يكون هناك مجتهد أبصر منه قد التفت إلى نكتة لم يلتفت هو إليها ـ أن يجري البراءة إذا فحص وأعمل قدرته بالمقدار المتعارف في كل باب من أبواب الخبرات البشريّة. هذا هو مقتضى الوجه الأوّل، وقد تبيّن أن مقتضاه هو توسعة دائرة الفحص من ناحية السند، وتضييقها من ناحية الدلالة بالمقدار الذي بيّناه.

الوجه الثاني: إيقاع المعارضة بين إطلاق دليل البراءة وقوله تعالى: ﴿حتّى يُبَيّن لهم ...

فمن حيث السند نقول: إنّه لو وجدت رواية في كتاب اللغة مثلاً صَدَقَ عنوان البيان.

ومن حيث الدلالة نقول: إنّه إذا احتمل المجتهد أنّه لو راجع الأعلم فقد يبيّن له بياناً فنّيّاً بحيث يفهم معنىً جديداً من الرواية، لا يصدق عنوان البيان لهذا المجتهد؛ لأنّه قد فحص بالمقدار الذي يكلّفه الارتكاز العقلائي ولم يصل إليه الحكم، فلا يصدق أنّه قد بيّن له المولى، فنتيجة هذا الوجه هي نتيجة الوجه الأوّل تماماً.