المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

452

الفحص في الشبهات الموضوعيّة

وأمّا المقام الثاني: وهو وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة وعدمه، فأيضاً تارة يقع الكلام في البراءة العقليّة، واُخرى في البراءة الشرعيّة.

بلحاظ البراءة العقليّة

أمّا البراءة العقليّة: فقد عرفت أنّها ليست قانوناً عقليّاً، فإنّ العقل لا يستقلّ بقاعدة (قبح العقاب بلا بيان)، بل هي ترجع بتحليل علمي الى قاعدة عقلائيّة ارتكازيّة شرحنا فيما مضى الظروف التي أدّت الى قيام هذا الارتكاز، وترسّخ هذه القاعدة في أذهان العقلاء.

وهذه البراءة العقلائيّة في الشبهات الحكميّة تختصّ بما بعد الفحص، فإنّ البراءة المجعولة اجتماعيّاً من قبل المولويات العقلائية لاتشمل موارد الشكّ قبل الفحص، وتعتبر تلك الموارد داخلة تحت دائرة حقّ الطاعة والمولويّة، هذا بلحاظ الشبهة الحكميّة. وأمّا بلحاظ الشبهة الموضوعيّة فالأمر في الجملة ـ أيضاً ـ كذلك، فإنّ مرتبة من الفحص لازمة بحسب الارتكاز العقلائي، وهي المرتبة التي يعتبر خلافها تهرّباً من الحكم وإغماضاً للعين عن الحكم، وتوضيح ذلك: أنّه قد يشكّ المكلّف في الحكم، ويكون المفروض أنّ هذا التكليف للمولى لو كان موجوداً لا يصله بحسب العادة إلّا بالفحص، فهنا لا يعذر المكلّف عقلائيّاً، وإنّما يعذر إذا كان المكلّف واقفاً في موقف بحيث يكون التكليف بحسب طبعه ممكن الوصول للمكلّف عادة بلا فحص، فلابدّ للمكلّف من الفحص عن التكليف بمقدار بحيث يحقّق له موقفاً يمكن ويحتمل أن يصله التكليف في ذلك الموقف، وأمّا إذا كان الموقف بحيث لا يحتمل عادة أن يصله التكليف، فلا يعدّ معذوراً عقلائيّاً، فمثلاً لو وقعت قطرة على يده ولا يدري هل هي دم أم لا فيغمض عينيه ويقول: أنا شاكّ في كونها دماً، فهو وإن كان شاكّاً، لكنّ التكليف عادة لا يصله وهو مغمض العينين، فتركه للنظر الى موضع القطرة المشكوكة يعتبر بحسب النظر العرفي تهرّباً من الوقوع في تبعة التكليف وفراراً منه، ولا تكون البراءة العقلائيّة مسوّغة لمثل هذا الهروب.

ولعلّ هذه النكتة هي نكتة ما سبق من عدم جريان البراءة العقلائيّة قبل الفحص في الشبهات الحكميّة؛ لأنّ إغماض العين عن كتب الأخبار كإغماض العين عن تلك القطرة من الدم، أي: أنّ العادة جارية في تبليغ الأحكام من الموالي الى