المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

36

معاقباً بنفس ملاك عقاب العاصي ـ ليس هو الواقع بوجوده الخارجيّ، بل هوالوجود العلميّ للحكم، فإنّ لزوم طاعة المولى إنـّما هو بملاك تعظيمه وأداء حقّه، ومن المعلوم أنّ تعظيمه لا يتحقّق بمجرّد امتثال حكمه الواقعيّ، سواء وصل بمرتبة من مراتب الوصول أو لا، ويتحقّق بامتثال ما علم من حكمه، سواء كان العلم مطابقاً للواقع أو لا. إذن فالتنجّز عارض على الصورة الذهنيّة لا على الواقع.

وثانياً: أنـّنا سلّمنا أن معروض التنجّز هو الواقع، لكنّ الواقع إنـّما هو جزء العلّة للتنجّز، والجزء الآخر هو البيان والوصول؛ إذ لو لم يبيّن كان داخلاً تحت قاعدة (قبح العقاب بلا بيان)، والبيان إنـّما تمّ بمقدار الجامع، وأمـّا ماذكره من : (أنّ القول بعدم سريان التنجّز ـ كما لا يسري العلم ـ خلط بين الحدود الذهنيّة المعروضة للعلم والحدّ الخارجيّ) فهو خلط في المقام؛ إذ لم يكن المقصود دعوى عدم سراية التنجّز من الحدّ الإجماليّ إلى الحدّ التفصيليّ، وإنـّما المقصود هو أنّ الواقع الخارجيّ بنفسه له حدّان، لا بمعنى الحدّ الإجماليّ والحدّ التفصيليّ المتباينين، بل بمعنى الحدّ الجامعيّ والحدّ الشخصيّ المتداخلين، فإنّ الشيء له حدود عديدة صاعدة ونازلة حسب ما له من جوامع وكلّيّات، فلابدّ أن نرى ما هو المقدار المبيّن من الواقع؟ هل هو الحدّ الجامعيّ فقط، أو هو مع حدّه الشخصيّ؟ والمفروض أنّ صورة العلم الإجماليّ مزدوجة من جهة انكشاف وجهة إبهام، وما يطابق جهة انكشافها هو الحدّ الجامعيّ، وما يطابق جهة إبهامها هو الحدّ الشخصيّ، فالبيان إنـّما يتمّ بمقدار الجامع، ويكفي في امتثاله القطعيّ الاتيان بأحد الطرفين، فلا تجب الموافقة القطعيّة للواقع على تفصيل قد عرفته.

الوجه الثاني(1) ـ أنـّنا سلّمنا أنّ العلم تعلّق بالجامع، لكن الجامع تارةً ينظر إليه قبل تحصّصه وانطباقه في الخارج، واُخرى ينظر إليه مفروغاً عن انطباقه وتحصّصه، والأوّل كما في الواجب التخييريّ بالتخيير العقليّ أوالشرعيّ، فإذا أوجب المولى الصلاة التي هي جامع بين أفرادها، وهو الواجب التخييري العقليّ، أو أوجب باب التخيير الشرعيّ أحد الاُمور من الخصال الثلاث في الكفّارة، الذي هو جامع انتزاعيّ بينها، فهنا لا يلزم إلاّ الإتيان بفرد واحد من تلك الأفراد، لحصول الجامع بذلك. وأمـّا في ما نحن فيه فقد تعلّق العلم بالجامع مفروغاً عن تحصّصه


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 300 و 309.