المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

34

الموافقة القطعيّة، لكنّه لمّا كان العلم الإجماليّ مقتضياً بنحو العلّيّة ـ حسب ما ذهب إليه (قدس سره) ـ لحرمة المخالفة القطعيّة أوجب ذلك تعارض الاُصول المؤمّنة، وتساقطها في الأطراف، فيبقى الاحتمال في كلّ واحد من الطرفين بلا مؤمّن عن استحقاق العقاب، والاحتمال بلا مؤمّن منجّز لا محالة، قال (قدس سره): وإن شئت فسمّ ذلك باقتضاء العلم الإجماليّ لوجوب الموافقة القطعيّة؛ إذ اقتضى ذلك بالواسطة، حيث إنـّه اقتضى حرمة المخالفة القطعيّة المقتضية لتعارض الاُصول وتساقطها المقتضي لبقاء الاحتمال بلا مؤمّن، وبالتالي تنجيزه.

أقول: أمـّا ما أفاده (رحمه الله) في وجه عدم اقتضاء العلم الإجماليّ لوجوب الموافقة القطعيّة، فيرد عليه ما عرفت من أنـّه لا يوجب عدم الاقتضاء مطلقاً، بل يجب استثناء ما إذا كان متعلّق الحكم مقيّداً بقيد لايعلم حصوله إلاّ بالإتيان بكلا الفردين، فهنا تجب الموافقة القطعيّة، وإلاّ لم تجب ـ أيضاً ـ الموافقة القطعيّة فيما لو علم تفصيلاً بوجوب الصلاة المقيّدة بقيد مّا، وشكّ في الاتيان بها بقيدها المطلوب.

وأمـّا ما أفاده من لزوم الموافقة القطعيّة من باب تعارض الاُصول وتساقطها وبقاء الاحتمال بلا مؤمّن، فيرد عليه: أنّ الاُصول الشرعيّة وإن كانت تتساقط ـ إن سلّم ـ لحرمة المخالفة القطعيّة، لكنّنا نتكلّم في المرتبة السابقة، وهي مقدار حقّ المولى بحكم العقل في نفسه قبل وصولنا إلى المرتبة اللاحقة، وهي تصرّف المولى في مقدار الامتثال اللازم بتزييد او تنقيص، فنقول: إنّ المقدار الذي يستحقّه المولى إنـّما هوالامتثال بمقدار الجامع، وأمـّا كلّ واحدة من الخصوصيّتين فتجري عنها البراءة العقليّة، وقاعدة (قبح العقاب بلا بيان) لأنـّها غير مبيّنة، ولا معنىً لوقوع المعارضة بين إجراء القاعدتين في الخصوصيّتين؛ إذ لا منافاة أصلاً بين تنجّز الحدّ الجامع وعدم تنجّز الحدّين الخاصّين.

وقد تنبّه إلى ذلك المحقّق العراقيّ(1)(قدس سره) فنقض على القائل بعدم اقتضاء العلم الإجماليّ لوجوب الموافقة القطعيّة بأنـّه لا بدّ له من القول بجواز مخالفة أحد الطرفين، مع أنـّه لا يقول بذلك.

وهذا النقض في محلّه، حيث إنّ المحقّق النائينيّ (رحمه الله) لا يلتزم بجواز مخالفة أحد الطرفين، مع أنّ هذا ممّا لا بدّ أن يلتزم به حسب مبانيه كما عرفت.


(1) هذا التنبّه موجود في المقالات: ج 2، ص 87، القسم الأوّل من الصفحة.