المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

33

من الفردين بخلافه في المثال الأوّل، وأنـّه في المثال الثاني يكون المقدار المعلوم أزيد من الجامع، وهو وجوب إكرام أحدهما؛ لأنـّنا نعلم ـ زائداً على ذلكـ بوجوب كون الإكرام مضافاً إلى العالم، أو قل: بشرط كون المكرَم عادلاً، فتحصيلاً للموافقة القطعيّة للمقدار الزائد لا بدّ من إكرام كلا الفردين، فالصحيح ليس هو ما ذهب إليه المحقّق العراقي (قدس سره)من اقتضاء العلم الإجماليّ لتنجيز الموافقة القطعيّة مطلقاً، ولا ما ذهب إليه المحقّق النائينيّ (رحمه الله) بمقتضى إطلاق كلامه من عدم اقتضائه لذلك مطلقاً، وإنـّما الصحيح ـ حسب مبنى حرفيّة قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) ـ هو التفصيل.

والضابط الفنيّ لهذا التفصيل ليس هو كون الشبهة حكميّة أو موضوعيّة، وإنـّما الضابط لذلك كون متعلّق الحكم مقيّداً بقيد لا يعلم حصوله في هذا الفرد أو في ذاك الفرد، فنضطرّ إلى الجمع بين الفردين تحصيلاً للقطع بحصوله، فمتى ما كان هكذا وجبت الموافقة القطعيّة، ومتى ما لم يكن هكذا لم تجب، ولو كانت الشبهة موضوعيّة، كما هو الحال في الشبهات الموضوعيّة التي ليس المشكوك فيها باشتباه خارجيّ قيداً للمتعلّق، كما في مثال وجوب إكرام العالم، وإنـّما كان قيداً للمكلّف أو التكليف، كما لو شكّ بنحو الشهبة الموضوعيّة أنّ المكلّف هل هو مسافر فيقصّر، أو حاضر فيتمّ، ولم يجرِ الاستصحاب لتوارد الحالتين مثلاً، وكما لو وجب التصدّق على زيد إن نزل المطر، وعلى عمرو إنْ هبّت الرياح، وتردّد الأمر بين نزول المطر وهبوب الرياح .

هذا تمام الكلام فيما هو المختار، وهو التفصيل في قبال قول الطرفين القائل أحدهما باقتضاء التنجّز مطلقاً، والآخر بعدمه مطلقاً.

 

كلمات الأصحاب حول الاقتضاء

وأمـّا ذكر كلام الطرفين، فالمحقّق النائينيّ (قدس سره) ذهب في أجود التقريرات(1) إلى عدم اقتضاء العلم الإجماليّ لوجوب الموافقة القطعيّة، واستدلّ على ذلك بأنّ العلم إنـّما تعلّق بالجامع، وهو الذي تمّ عليه البيان، فهو المنجّز ـ وهذا هو الجزء الأوّل من جزئي برهاننا على عدم الاقتضاء ـ، ولكنّه (قدس سره) لا يقول بجواز الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة، بل يقول بأنّ العلم الإجماليّ وإن كان بنفسه لا يقتضي تنجيز


(1) أجود التقريرات: ج 2، ص 245.