المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

327

أن يحصُل بالأقلّ وأن يحصُل بالأكثر.

الوجه الثاني: أنّنا لو سلّمنا العلم بغرض وحدانيّ مردّد أمر تحصيله بين أن يكون بالأقلّ أو بالأكثر حكمنا مع ذلك بالتأمين بلحاظ البراءة العقليّة ـ لو قلنا بها ـ والشرعيّة.

أمـّا البراءة العقليّة فتقريب جريانها في المقام: هو أنّ أحد ملاكات البراءة العقليّة عند القائلين بها هو أخذ المولى على عاتقه بيان المطلب، فمتى ما التزم المولى ببيان شيء على تقدير وجوبه مثلاً، ولم يصلنا البيان قَبُحَ العقاب على ترك ذاك الشيء، رغم أنّنا نحتمل صدور البيان، وهذا الملاك وإن لم يكن موجوداً في الشبهات الموضوعيّة؛ لأنّ المولى غير ملتزم ببيان حال الموضوع، والمقدار الذي التزم به قد وصل وهو بيان كبرى الحكم، لكنّ الذي يؤمّن بالبراءة العقليّة في الشبهات الموضوعيّة يؤمّن بملاك آخر ـ أيضاً ـ يتمّ في الشبهات الموضوعيّة(1).

وعلى أية حال فكلامنا الآن يدور حول هذا الملاك الذي بيّناه، فنقول: إذا أمر المولى بتحصيل غرض، كما لو أمر بقتل كافر، ولم يكن بصدد بيان ما هو المحصِّل لهذا الغرض، هل هو إطلاق رصاص واحد مثلاً أو إطلاق رصاصين؟ بل أوكَلَ ذلك إلى العبد، فهنا لا تجري البراءة؛ لأنّ الذي التزم المولى ببيانه وإلقائه إلى العبد إنّما هو الغرض، وقد بيّنه ووصل البيان، وإنّما الشكّ في المحصّل، ولم يكن المولى ملتزماً ببيان المحصّل، وأمـّا إذا لم يُلق ِ المولى نفس الغرض إلى المكلّف، وإنّما التزم ببيان نفس الأعمال المباشريّة للمكلّف المحصّلة لتلك الأغراض، كما هو الحال فيما نحن فيه، لأنّ المولى أخذ يبيّن نفس الأفعال اللازم صدورها من المكلّف، من الصلاة وأجزائها وغير ذلك، فحينما لم تصل جزئيّة شيء كالسورة يصبح العقاب على تركه قبيحاً حسب هذا المبنى.

وأمـّا البراءة الشرعيّة فقد فرغنا فيما مضى عن أنـّه لو كنّا نحن ومسألة التكليف ومتعلّقه، مع غضّ النظر عن إشكال الغرض الوحداني في المقام فلا إشكال في جريان البراءة عن الإلزام والتحريك الزائد؛ لما عرفته مفصّلاً من انحلال العلم


(1) مضى من اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) في التنبيه الثالث من تنبيهات البراءة والاحتياط دعوى أنّ من يعمّم البراءة العقليّة للشبهات الموضوعيّة لا يؤمن بملاك خاص بالشبهات الحكميّة ويعتقد أنّ البراءة في الشبهتين إنّما تكون بملاك مشترك.