المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

317

الذهنيّة له ليس له ما بإزاء في محكيّ الصورة، وإنّما شغله عبارة عن أن يجعل الصورة أوسع انطباقاً وحكايةً على ما في الخارج، فتنطبق على عدّة فروض لم تكن تنطبق لولا الإطلاق، إلّا على بعضها.

وأمـّا إذا بنينا على النظريّة الثالثة القائلة بعروض الوجوب على أحد عنواني المجموع، وهما عنوانان متباينان، ويختلفان بالسعة والضيق، فقد تبيّن الحال على هذه النظريّة ممّا ذكرناه، فإنّ الذي يقع في عهدة المكلّف مولويّاً ـ كما اتّضح ـ إنّما هو المعنون والمحكيّ، لا العنوان والصورة، وهو مردّد بين الأقلّ والأكثر لا بين المتباينين.

وقد اتّضح بكلّ ما ذكرناه: أنّ كلتا المحاولتين لإبراز عنصر التباين بين الأقلّ والأكثر غير ناجحتين في المقام، وهما: إبراز التباين بلحاظ حدّ الوجوب، وإبرازه بلحاظ متعلّق الوجوب، وهو الأقلّ الواجـب ضمناً مع الأقلّ الواجب استقلالاً، وقد عرفت أنّ حدّ الوجوب لا يقع على عاتق العبد، وكذلك الصورة الذهنيّة للمولى لا تقع بما هي صورة ذهنيّة على عاتق العبد.

وبهذا يظهر: أنّ من ادّعى الانحلال الحقيقي في المقام، إن أراد به الانحلال الحقيقي بلحاظ ما في عهدة المكلّف مولويّاً، فهو صحيح. وإن أراد الانحلال الحقيقي بلحاظ تمام عالم التكوين، فهو غير صحيح، ومن ادّعى الانحلال الحكمي كالسيّد الاُستاذ(1) الذي قال: إنّ العلم الإجمالي منحلّ حكماً؛ لجريان الأصل في نفي الزائد من دون معارض. يقال له: إنّه لو سلّم ثبوت العلم الإجمالي حقيقة المردّد بين المتباينين بلحاظ ما في عهدة المكلّف مولويّاً، فلا مجال للانحلال الحكميّ، ويكون الأصل النافي لأحد المتباينين معارضاً للأصل النافي للآخر، ولا بُدَّ من الاحتياط لا محالة، ولو لم يسلّم ذلك، ورأى أنّ التباين غير ثابت بلحاظ ما في عهدة المكلّف، وإن قلنا بثبوته في الجملة في عالم التكوين، فهذا الانحلال لا بُدَّ من الاعتراف به حتّى على قول من لا يؤمن أساساً بالانحلالات الحكميّة، فإنّه بعد فرض عدم الدوران بين المتباينين بلحاظ ما في عهدة المكلّف مولويّاً لا وجه للزوم الاحتياط.

 


(1) راجع مصباح الاُصول: ج2، ص 433 ـ 434.