المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

313

ولعلّ هذا ممّا امتاز به المحقّق العراقي(رحمه الله)(1). وبيانه: أنّ وحدة الوجوب وتعدّده إنّما تتبع وحدة الملاك وتعدّده، لا وحدة معروضه وتكثّره.

نعم، لا إشكال في أنّ وحدة الوجوب تستلزم وحدة الواجب، لكن ليست هذه الوحدة مأخوذة في معروض الوجوب. وتوضيح ذلك: أنّ الشيء المتكثّر بذاته قد يصبح واحداً بوحدة عرضيّة ناشئة من وحدة ما عرض عليه، فمثلاً: اللحاظ الواحد إذا طرأ على أُمور متكثّرة حصلت لها وحدة عرضيّة بلحاظ وحدة ما عرض عليها من اللحاظ، وكذلك الشوق الواحد والملاك الواحد ونحو ذلك. والواجب الارتباطي لا إشكال في أنـّه بذاته عبارة عن أُمور متكثّرة، لكن قد عرضت عليه توحّدات باعتبار وحدة جملة من عوارضها كاللحاظ والوجوب والملاك، وهذه الوحدات يستحيل أخذها في معروض الوجوب؛ أمـّا الوحدة الناشئة من وحدة الوجوب، فهي في طول الوجوب، فلا يعقل أخذها في متعلّقه، وأمـّا الوحدة الناشئة من وحدة الملاك، فهي وإن لم تكن في طول الوجوب، لكن الوجوب تابع للملاك، فيتعلّق بما يتعلّق به الملاك، ومن المعلوم أنّ تلك الوحدة غير دخيلة في متعلّق الملاك ومعروضه؛ لأنّها في طول الملاك، وكذلك أيّ وحدة اُخرى تفرض في المقام كوحدة اللحاظ، فبما أنـّها غير مربوطة بمعروض الملاك لا تؤخذ في معروض الوجوب؛ لأنّ الوجوب يعرض على ما يعرض عليه الملاك.

فقد تحصّل: أنّ معروض الوجوب هو الشيء المتكثّر بما هو متكثّر. وأمـّا الوجه في وحدة هذا الوجوب، فهو وحدة الملاك؛ فإنّ الوجوب يستمدّ وحدته من وحدة الملاك، وإن فرض تكثّر ما عرض عليه الوجوب.

ثمّ إنّه يرد على هذا التصوير: أنّ العارض والمعروض لا بُدَّ أن يكونا في ظرف العروض متسانخين في الوحدة والتكثّر، فلو كان المعروض في ظرف العروض متكثّراً يكون العارض متكثّراً لا محالة، ويدلّ على ذلك أمران:

الأمر الأوّل: أنّ روح الوجوب والحبّ والإرادة ـ وهي من قبيل العلم ـ من الصفات الحقيقيّة النفسيّة ذات الإضافة، أي: أنّ هذه الأعراض مضافاً إلى إضافتها لمحلّها ـ وهي النفس ـ لها إضافة إلى شيء آخر كإضافة العلم إلى المعلوم، وهذه الإضافة داخلة في صميم ذاتها، ولا معنى لتصوير حقيقة العلم مثلاً مستقلاًّ ومنحازاً


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 377 ـ 379.