المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

292

التسليم والتسلّم، وله موارد اُخرى أيضاً.

إذن فالدين والضمان متباينان مفهوماً، والنسبة بينهما عموم من وجه مورداً، والأوّل يملأ وعاء الذمّة والثاني يملأ وعاء العهدة.

هذه هي أصل الفكرة التي يمكن أن تبيّن هنا الصناعة الفقهيّة لهذه المفاهيم.

فإذا اتّضح لك ذلك قلنا: إنّ الشيء الذي تكون اليد تمام الموضوع بالنسبة له إنـّما هو الضمان لا الدين، فالغاصب بمجرّد وضع يده على مال غيره يصبح ضامناً ضمان المسؤوليّة، وانشغال العهدة التي تنتج وجوب الردّ إلى مالكه، وحرمة تصرّفه فيه، وأمـّا الدين بمعنى انشغال الذمّة وتملّك المغصوب منه شيئاً على الغاصب، فليس وضع اليد على مال غيره هو تمام الموضوع له، بل الجزء الأخير من موضوعه هو التلف، فالعلم الإجمالي الأوّل ليس علماً بتمام موضوعه.

إلّا أنّ المشهور لم يعزلوا أحد هذين المفهومين عن الآخر عزلاً منسجماً مع الصناعة التي بيّناها، ولهذا نراهم في مقام بيان ما يحصل عند ما يتلف مال الغير قد اختلفت كلماتهم، فبعضهم أرجع الضمان إلى الدين، والعهدة إلى الذمّة، وقال: بأنّ الضمان معناه هو انشغال الذمّة بالبدل من القيمة أو المثل، وبعضهم أرجع الدين إلى الضمان، والذمّة إلى العهدة، وهم بين من يقول: بأنّ العين هي التي تكون في العهدة من حين الغصب وحتى بعد التلف، غاية الأمر أنّ الخروج عن عهدة العين في حال وجودها يكون بردّها إلى المالك، وفي حال تلفها يكون بردّ مثلها أو قيمتها إليه، ومن يقول: بأنّ الضمان هو كون مال الغير في عهدته وحينما يغصب العين تدخل في ذمّته كلّ ما لهذه العين من الماليّة والخصوصيّات النوعيّة والصنفيّة والشخصيّة، وإذا تعذّرت الخصوصيّات الشخصيّة كما هو الحال في تلف العين خرجت من العهدة، وبقي الباقي في العهدة، فعليه إرجاع المثل. وإذا تعذّر ذلك ـ أيضاً ـ كما في القيميّات بقيت الماليّة في العهدة فعليه إرجاع القيمة.

ولو تمّت هذه المباني لم يصحّ ـ أيضاً ـ ما ذكر في المقام من أنّ العلم الإجمالي الأوّل هو علم بتمام الموضوع للحكم بالضمان، فلو تلفت إحدى الشجرتين انشغلت الذمّة في المقام.

فمن قال بأنّ الضمان عبارة عن انشغال الذمّة بالبدل لا بدّ له من الالتزام بأنّ الغاصب قبل أنْ تتلف عنده العين المغصوبة ليس ضامناً بالفعل، إذ لا معنى لانشغال الذمّة بالبدل مع وجوب دفع العين خارجاً، لأنّ الغاصب لا يلزمه الدفع مرّتين: مرة