المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

291

إلى باب الملكيّة، وأنْ يملك شخص شيئاً على الآخر، وحيث إنّ ملكيّة الشيء على الآخر تحتاج في الصناعة الفقهيّة إلى فرضِ وعاء له، ففرضت الذمة وعاءً لهذا المملوك الذمّي، وهذان المفهومان، أي: الدين والضمان قد يجتمعان مورداً وقد يفترقان: ـ

أمـّا موارد الاجتماع فواضحة، كما لو أتلف شخص مال غيره، فقد اشتغلت ذمته بالمثل أو القيمة، وهذا عبارة عن الدين، ويكون مسؤولاً لا محالة عن أداء ما في ذمّته، وهذا عبارة عن الضمان، وفي موارد الاجتماع تارةً تنشأ العهدة من الذمّة، كما هو الحال في هذا المثال، واُخرى بالعكس على تفصيل لا يسعه المقام.

وأمـّا مورد تحقّق الضمان دون الدين فمصاديقه غير متوفرة كثيراً في الفقه الجعفري بالخصوص، إلّا أنّ من مصاديقه باب الكفالة، فإنّ مرجعها إلى التعهّد بتسليم المدين، فيكون ضامناً أمام الغريم لشخص المدين، أي: يكون شخص المدين على عهدته ومسؤوليته، لابدّ له من إحضاره، ولو قصّر في ذلك، سجن وعوقب، لكن لا يوجد هنا اشتغال للذمّة أصلاً؛ إذ لا يملك على الكفيل شيء.

وأيضاً يثبت الضمان دون الدين في عقد الضمان على بعض الآراء المتبنّاة لبعض العامّة، فانـّهم يرون أنـّه لا ينتقل ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، وإنـّما الذي يثبت على الضامن هو التعهد والمسؤولية. وإنْ كانوا هم لم يعبّروا بهذه المصطلحات، بأنْ يقولوا: إنّ الذي انشغل من الضامن هي عهدته لا ذمّته، وإنـّما ذكروا حقيقة مقصودنا من هذا المصطلح حيث قالوا: إنّ الضامن يكون مطالباً بالدين، وإنْ كان لا ينتقل الدين من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّته.

ومن جملة مصاديق ذلك في الفقه عندنا هو ما إذا استقرض العبد باذنِ المولى فالرأي المشهور عندنا أنّ المولى يكون مسؤولاً عن وفاء دين العبد، فالدائن له أن يرجع إليه ويطالبه بذلك من دون أن تنشغل ذمّته، بحيث لو مات المولى لا ينتقل هذا الدين إلى تركته، وهذا معناه ـ بحسب اصطلاحنا ـ أنّ العهدة انشغلت لكنّ الذمّة لم تنشغل، فالضمان ثبت على المولى لكن الدين لم يثبت عليه، وله عدّة موارد اُخرى تظهر بالتتبع في سائر الموارد في الفقه وليس هنا مجالُ بيانها.

وأمـّا مورد تحقق الدين دون الضمان فهذا أوضح من سابقه، كما لو فرض أنّ شخصاً اشترى بثمن في ذمّته فهو مدين للبايع، ولكنّه ما لم يُدفع إليه المبيع لا يكون ضامناً، ولا يكون مطالباً بتفريغ ذمّته؛ لأنّ قانون المعاوضة يقتضي التوأميّة في مقام