المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

290

 

حكم الشجرتين

أمـّا المقام الأوّل: وهو الكلام في حكم نفس الشجرتين فلا إشكال في تنجّز الأحكام التكليفيّة للشجرة المغصوبة، من قبيل حرمة التصرّف؛ للعلم بتمام الموضوع لها، وهو مال الغير الذي لا يأذن في التصرّف، وإنـّما يقع مهمّ الكلام في الضمان، وأنـّه مع تلف إحدى الشجرتين هل يجب ردّ البدل أو لا؟ وكأنـّهم ـ كما مضى ـ فرغوا عن أنّ العلم الإجمالي الأوّل علم بما هو تمام الموضوع للضمان؛ لأنّ ضمان المال موضوعه هو: أنْ يكون مال الغير، وأنْ يكون تحت يد الإنسان، وكلا الجزءين محرز في المقام بالعلم الإجمالي الأوّل.

لكن هذا الكلام مبنيّ على خلط شائع في الصناعة الفقهيّة بين الضمان وبين الدين، بمعنى انشغال الذمّة، وأنْ يملك شخص على شخص آخر شيئاً، فقد افترض في كلماتهم ـ على أساس عدم عزل أحد هذين المفهوين عن الآخر ـ أنّ الضمان والدين بالمعنى الذي قصدناه كأنـّهما مفهوم واحد، ولا فرق بينهما. وهذا الخلط أنتج الخلط بين العُهدة التي هي وعاء الضمان، والذمة التي هي وعاء الدين، فلم يميّز بحسب الصناعة الفقهية بين العهدة والذمّة، وإنْ وجد هناك تمييز فإنـّما هو مجرّد تمييز اصطلاحي، فالتمييز الذي فرضته مدرسة المحقّق النائيني(قدس سره)عبارة عن أنّ العهدة وعاء الأعيان، والذمّة وعاء الاُمور الكليّة، ومثل هذا مجرّد اصطلاح يمكن لكلّ أحد أنْ يصطلح ذلك.

والتحقيق: أنـّه يفترق كلّ منهما عن الآخر فرقاً جوهريّاً بحسب تكوينهما الاعتباري، فهذا الوعاء الاعتباري المسمّى بالعهدة اُنشىء إنشاءً لغرض بحسب الارتكاز العقلائي، واُمضي شرعاً، والوعاء الآخر اُنشىء نشأة اُخرى لغرض آخر، فهما مختلفان تكوّناً وغرضاً وعملاً، وبتبعهما يختلف الضمان عن الدين، ولا مجال هنا للتوسّع في بحث الصناعة الفقهيّة للذمّة والعهدة، والضمان والدين، وهو موكول إلى محلّه في الفقه، إلّا أنـّنا نقول هنا بنحو الإجمال: إنّ الضمان والدين بالمعنى الذي ذكرناه متباينان مفهوماً، والنسبة بينهما عموم من وجه، من حيث المورد الخارجي، أمـّا من حيث المفهوم فالضمان مرجعه إلى المسؤولية، والتعهّد والعهدة وعاء للمسؤوليات، وباب الضمان لا يستبطن الملكيّة بوجه أصلاً، والدين مرجعه