المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

29

صورتي العلم أو بين المعلومين بالذات، فإحداهما: صورة صافية غير مخلوطة بالإجمال والإبهام، والاُخرى: صورة غير صافية، ومخلوطة بالإجمال والإبهام، فهذه الصورة وإن لم يمكن خارجاً تجزئتها إلى حصّتين لكنّها ـ بحسب التحليل العقليّ ـ تُجزّأ إلى حصّتين: إحداهما نور وانكشاف، والاُخرى ظلمة وإبهام، والذي يطابق تمام الفرد الخارجيّ إنـّما هو تمام هذه الصورة، لا خصوص جانب الانكشاف منها، ونحن وإن كنّا لا نتعقّل في الصورة العلميّة هذا الازدواج حتى نسمّي المجموع بالعلم، أو بأيّ اسم آخر، إلاّ أنّ مفروض هذا المبنى هو تعقّل الازدواج في صورة واحدة بين الانكشاف والإبهام، وسواء سمّينا هذا المجموع بالعلم، أو بأيّ اسم آخر، فالواقع هو أنّ البيان إنـّما يكون بمقدار ما في الصورة من نور وانكشاف، وهو بمقدار الجامع. وأمـّا ما فيها من ظلمة وإبهام فليس بياناً، ومُخرِجاً للشيء عن قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) بحرفيّتها، فالمقدار المنجّز هو الجامع لا أكثر.

وهنا لا بأس بإلفات النظر إلى نكتة تعود لما سبق، فقد مضى ذكر إشكال على ما اختاره المحقّق العراقيّ في تحقيق حقيقة العلم الإجماليّ مستخرج من كلمات المحقّق الإصفهانيّ، من أنّ الحدّ الشخصيّ للفرد هل هو داخل تحت الصورة الإجماليّة أو لا؟ فإن قيل: لا، كان علماً بالجامع. وإن قيل: نعم، لزم انقلاب العلم الإجماليّ إلى التفصيليّ إن فرض ذلك الحدّ الشخصيّ معيّناً، وإلاّ جاء إشكال الفرد المردّد.

أقول: لو اقتصر في مقام الإشكال على المحقّق العراقيّ على هذا المقدار من البيان، أمكن أن يقال في مقام التفصّي عنه: إنّ الحدّ الشخصيّ داخل في هذه الصورة الإجماليّة، لكن لا في جانب الانكشاف منها، بل في جانب الإبهام منها. إذن فلا بدّ من إضافة شيء إلى ذاك الإشكال وهو: أنّ الإبهام ـ في الحقيقة ـ ليس صورة، بل عبارة عن عدم الصورة، وإنـّما الصورة عبارة عن نفس الانكشاف.

وعلى أيّة حال، فقد تحصّل أنـّه على جميع المباني لا مقتضي لوجوب الموافقة القطعيّة.

والانصاف: أنّ هذا من فضائح القول بقاعدة (قبح العقاب بلا بيان) بحرفيّتها، إذ كيف يقبل الوجدان أن يقال بجواز المخالفة الاحتماليّة لحكم علم إجمالاً من قبل المولى ـ تعالى ـ من دون جعل براءة شرعيّة في المقام، وأنـّه ليس له حقّ الطاعة أزيد من الموافقة الاحتماليّة لذلك؟!