المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

282

وبعد ذلك رجع الملاقى إلى محلّ الابتلاء، فهنا يقال بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقى، ووجوبه عن الملاقي(1).

وهذا البحث لا موضوع له بناءً على مبنانا من عدم الفرق بين الملاقي والملاقى في وجوب الاجتناب، وعدم تماميّة شيء من وجوه الانحلال، إلّا أنـّنا نتكلّم في هذا الفرع مبنيّاً على مبنى القوم.

والكلام في ذلك يقع في جهات ثلاث: الاُولى: في حكم الملاقي عند حصول العلم الإجمالي بالنجاسة، وقبل رجوع الملاقى إلى محلّ الابتلاء. والثانية: في حكم الملاقى بعد رجوعه إلى محلّ الابتلاء. والثالثة: في حكم الملاقي بعد رجوع الملاقى إلى محلّ الابتلاء.

أمـّا الجهة الاُولى: فالحكم فيها يختلف باختلاف المباني، وقد ذكرنا فيما سبق مباني أربعة للانحلال، وعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، وتلك المباني تختلف في جريانها وإثبات عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي هنا وعدمه.

فالمبنى الأوّل: كان عبارة عن الانحلال بملاك تعارض الأصل في طرف الملاقى في زمان سابق مع الأصل في الملاقى وتساقطهما، فيبقى الأصل في الملاقي سليماً عن المعارض، ويجري وإن لم ينحل بذلك الأثر العقلي للعلم الإجمالي، وهو اقتضاء التنجيز لا العلّيّة، فإنّ مجرّد الاقتضاء لا يمنع عن جريان أصل واحد في أحد الطرفين، وهذا المبنى ـ كما ترى ـ لا يثبت هنا عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي؛ لأنّ الأصل في طرف الملاقى لم يكن في زمان سابق مبتلىً بالمعارض، فالآن يعارض الأصل في الملاقي.

والمبنى الثاني: كان عبارة عن الانحلال ـ بناءً على الاقتضاء أيضاً ـ بملاك تعارض الأصل في طرف الملاقى مع الأصل في الملاقى في رتبة سابقة، فيبقى الأصل في الملاقي سليماً عن المعارض، وهذا المبنى يجري في المقام ويثبت عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، لأنّ الأصل في طرف الملاقى قد ابتلى من الآن بالتعارض مع الأصل في الملاقى، لأنـّه أصبح الآن مجرىً للأصل بالرغم من خروجه عن محلّ الابتلاء، وذلك بلحاظ أثر النجاسة للملاقي، فالملاقى يكون مجرى لأصالة


(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 227 حسب الطبعة المشتملة على تعليق المشكيني، ونهاية الدراية: ج 2، ص 260 ـ 261.