المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

272

لكنّه في عرض أثره، فإنّ العلم الأوّل علّة لأمرين: أحدهما: التنجيز، والثاني: العلم الثاني، فهما معلولان في عرض واحد، وتنجيز العلم الثاني يكون متأخّراً رتبة عن العلم الثاني، لكنّه ليس متأخّراً رتبة عن تنجيز العلم الأوّل، لأنّ المتأخّر عن أحد العرضيّين ليس متأخّراً عن الآخر، فتنجّز كلّ من العلمين يكون في عرض تنجيز الآخر، فيصبح كلّ واحد منهما جزء العلّة للتنجيز مثلاً.

نعم لو كان العلم الثاني في طول تنجيز العلم الأوّل كان هنا مجال لدعوى عدم تأثير العلم الثاني، كما لو نذر شخص أنـّه إذا تنجّز عليه شيء تصدق على فلان، ونسي أنّ من نذر التصدّق عليه هل هو زيد أو بكر؟ ثم علم إجمالاً بوجوب التصدّق إمـّا على زيد أو على عمرو، فتولّد من هذا العلم العلم إجمالاً بوجوب التصدق إمـّا على زيد أو بكر، وهذا العلم الإجمالي في طول تنجيز العلم الأوّل، لأنـّه علم بملاك تحقّق نذره الذي هو عبارة عن التنجّز الناشىء من العلم الأوّل، ولكن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل.

وأمـّا ثانياً؛ فلأنّ الطوليّة ممنوعة حتى بلحاظ نفس العلمين المنجّزين؛ لأنّ المنجّز في الحقيقة ليس عبارة عن العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى أو طرفه، وكذلك العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي أو طرف الملاقى، وإنـّما المنجِّز هو العلم بالتكليف الناشىء من العلم بالنجاسة، والعلمان بالتكليف في عرض واحد، فإنّ العلم الثاني بالنجاسة في عرض العلم بالتكليف؛ لأنـّه ليس معلولاً له، بل هما معلولان للعلم الأوّل، والعلم الثاني بالتكليف وإنْ كان في طول العلم الثاني بالنجاسة لكنّه ليس في طول ما كان في عرضه من العلم الأوّل بالتكليف؛ لما قلناه من أنّ المتأخّر من أحد العرضيّين ليس في طول الآخر، وما مع المتقدّم ليس متقدّماً.

هذا. والمحقق العراقي (رحمه الله) لا يستفاد من كتابه نفي قانون: أنّ ما مع المتقدّم متقدّم، لكنّه يستفاد ذلك من تقرير بحثه .

وعلى أيـّة حال، فالصحيح هو ذلك. نعم، لو آمنّا بأنّ ما مع المتقدّم متقدّم لا يرد شيء من هذين الإشكالين.

وأمـّا ثالثاً؛ فلما مضى في الإيراد على أصل هذا المسلك للانحلال حيث قلنا: إنّ هذا يتمّ لو كانت نسبة التنجّز إلى العلم نسبة المعلول التكويني إلى علّته التكوينيّة، وليس الأمر كذلك على ما تقدّم بيانه(1).


(1) تقدّم ذلك لدى مناقشة الأخباريين في الدليل العقليّ للاحتياط.