المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

264

متعارضين متّصلين وكلام آخر منفصل ـ مبنيّةٌ على تخيّل أنّ المعارضة وإخراج أحد الفردين تكون من حين الفعليّة، مع أنّ الأمر ليس كذلك، بل المعارضة تكون في زمان الجعل، والجعل ينظر إلى الأفراد في زمان واحد، والمخصّص ـ أيضاً ـ يقتطف كما يقتطف في عرض واحد، ولا أثر لتقدّم بعضها على بعض زماناً بحسب الخارج أصلاً، فالوجود البقائي للأصل في طرف الملاقى يوجد له معارضان في عرض واحد في أصل مرحلة الجعل، أحدهما الأصل في الملاقى، والآخر الأصل في الملاقي فيتساقط الجميع.

إنْ قلت: بناءً على ذلك يلزم القول: بأنـّه لو علم إجمالاً بأنّه إمـّا تجب علينا الصلاة بالفعل، أو يجب علينا التصدّق لو نزل المطر، ولم يعلم أنـّه هل سينزل المطر او لا، لم تجر أصالة البراءة عن وجوب الصلاة، لأنـّها تعارض أصالة البراءة عن وجوب التصدّق على تقدير نزول المطر؛ لأنـّه لو وجد شرط فعليّة وجوب التصدّق، وهو نزول المطر فتمّ بذلك شرط فعليّة الترخيص الظاهري مع فرض بقاء العلم الإجمالي على حاله، يقع التعارض بين الأصلين لا محالة، وقد فرضتم أنـّه مهما كان تعارض بين الفردين في فرض الفعلية فحتماً يكون التعارض ثابتاً بدون الفعليّة ـ أيضاً ـ في نفس الجعل، فيقع التعارض بين أصالة البراءة عن وجوب التصدّق المشروطة بنزول المطر، وإنْ لم يوجد شرطها فعلاً، ولم تصبح فعلية، وأصالة البراءة عن وجوب الصلاة، وهذا ممّا لا يلتزم به، ويقال: بما أنّ أصالة البراءة عن وجوب التصدّق ترخيص مشروط غير فعلي في مخالفة التكليف فهي لا تعارض أصالة البراءة عن وجوب الصلاة.

قلت: إنّ مُجرّد وجود أصلين فعليين يلزم منهما الترخيص في المخالفة القطعيّة ليس فيه محذور، ولا يوجب التعارض بينهما، ويشترط في ثبوت محذور الارتكاز ووقوع التعارض بينهما أنْ يكون المكلف عالماً لدى إجراء الأصل بأنّ هنا أصلاً آخر بالفعل، أو في زمان مستقبل يلزم من إجرائه مع إجراء هذا الأصل الآن الترخيص في المخالفة القطعيّة لتكليف فعلي، فإنّ هذا هو الذي منع عنه الارتكاز العقلائي، والتعارض بين أصلين فعليين من هذا القبيل يلازم ثبوت التعارض بينهما في مرحلة الجعل كما قلنا، والمفروض في هذا المثال أنّ المكلف لم يعلم في زمان فعلية الأصل الأوّل بوجود أصل آخر فعلي في ذاك الزمان أو في زمان متأخّر يلزم من مجموعهما الترخيص في المخالفة القطعيّة.