المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

262

وعليه نقول: إنّ العلم الإجمالي الأوّل بوجوده البقائي مقارن زماناً لحدوث العلم الإجمالي الثاني، فلا وجه لاختصاص المانعيّة والتأثير بأحدهما دون الآخر، فهما يمنعان في عرض واحد عن جريان الاُصول، فأصالة الطهارة في طرف الملاقى لها معارضان في عرض واحد، وهما: أصالة الطهارة في الملاقى، وأصالة الطهارة في الملاقي، فيتساقط الجميع (1).

وثانياً ـ أنّ هذا الكلام غير صحيح حتّى لو فرض أنّ المانع عن الأصلين السابقين بقاءً هو العلم الإجمالي بوجوده الحدوثي. وتوضيح ذلك: أنّ هناك خطأ في أصل سير التفكير الذي أدّى بصاحبه إلى القول بأنّ الأصلين السابقين تعارضا وتساقطا، وهذا الأصل الجديد خال عن المعارض، ونحن في الجواب الأوّل جارينا هذا السير في التفكير، وحافظنا على مباني الإشكال، ومع ذلك أبطلنا الإشكال بما عرفت من تعاصر العلمين، لأنّ العلم الأوّل إنـّما يؤثّر بقاءً بوجوده البقائي المعاصر للعلم الثاني.

والآن نريد أنْ نبرز الخطأ في مبنى التفكير الذي وقع في المقام، فنقول: إنّ فرض عدم ابتلاء الأصل الثالث بالمعارض بمجرّد أنّ ما كان يعارضه قد سقط في زمان سابق بمعارض آخر له، إنـّما يعقل على أحد تصوّرين: ـ

الأوّل: أنْ يجرّد من كلّ واحد من الاُصول الثلاثة كلام خاصّ، فيتصوّر أنـّها تكون من قبيل ما إذا صدر من المولى في أوّل الصباح كلامان متعارضان، وصدر بعد ذلك كلام آخر مستقلّ يطابق أحد الكلامين الأوّلين، ويخالف الآخر، فيؤخذ هنا طبعاً بالكلام الثالث، ولا يجعل طرفاً للمعارضة لما خالفه من الكلام المتّصل بالكلام الآخر، وأنت ترى أنّ هذا قياس مع الفارق، ففي مثال الكلمات الثلاث قد ابتلى الأوّلان بالإجمال على أساس الاتصال والتهافت، وبقى الثالث غير المجمل بلا معارض، أمـّا في المقام فهذه الاُصول الثلاثة نسبتها إلى كلام المولى من حيث الصدور على حدّ سواء، كما هو واضح.


(1) وكذلك الحال لو فرضنا أنّ العلم الإجمالي بوجوده الحدوثي يسقط الأصل بقاءً، بمعنى تأخّر التأثير عن المؤثر، فيصبح تأثير العلم الأوّل في عرض العلم الثاني، أمّا لو فرضنا أنّ العلم الإجمالي بوجوده الحدوثي أسقط في زمانه الأصل المتأخّر، فعندئذ يأتي مورد لتوهم بقاء الأصل الآخر بلا معارض على أساس الغفلة عن الجواب الثاني الذي سيبيّنه اُستاذنا (رحمه الله) .