المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

22

العلم الإجماليّ ـ أيضاً ـ يتعلّق بالواقع، وأنّ الفرق بينه وبين العلم التفصيليّ في نفس العلم، وإنـّما هو يستَبْدِهُ ما ذكره، ولكن يوجد في عبارته شيء لعلّه يراه هو البرهان على مقصوده، وذلك الشيء هو أنّ الصورة الإجماليّة تنطبق على تمام ما في الخارج انطباق المجمل على المفصّل، والمبهم على المبيّن، ولا تنطبق على جزء منه فحسب انطباق الكلّيّ على الفرد، فلعلّ هذا إشارة إلى ما مضى منّا في الاستشكال في المبنى الثاني، من أنـّنا نعلم بشيء زائد على الجامع الذي هو جزء الفرد؛ إذ نعلم أنّ ذلك الجزء لا يستطيع أن يقف على قدميه.

ولكن يمكن الاستشكال في هذا المبنى ـ أيضاً ـ بما يستخرج من مجموع كلمات المحقّق الإصفهانيّ من أنّ الحدّ الشخصي للفرد هل هو داخل تحت الصورة الاجمالية المنكشفة أو لا؟ وعلى الأوّل هل الداخل تحت دائرتها هو الحدّ الشخصي المعيّن، أو الحدّ الشخصيّ المردّد ؟ فإن فرض دخول الحدّ الشخصيّ المعيّن تحت تلك الصورة المنكشفة أصبح العلم الإجماليّ علماً تفصيليّاً، ومن المعلوم أنـّنا لا نرى حدّاً شخصيّاً معيّناً في تلك الصورة الإجماليّة، وإن فرض دخول الحدّ المردّد تحتها فقد اتّضح بطلانه فيما سبق، وإن فرض عدم تعدّي العلم إلى الحدود الشخصيّة فهذا معنى تعلّق العلم بالجامع، وهكذا نرجع إلى المبنى الثاني، والذي هو ـ أيضاً ـ بدوره يبطل بما مضى من البرهان، كما أنـّه إن رجعنا إلى مبنى الفرد المردّد ورد علينا إشكال الفرد المردّد، إذن فما هو العلاج ؟

وحيث إنّ العلم الإجماليّ أمر وجدانيّ راجع إلى وجدان كلّ أحد، فلذلك يحتمل قويّاً أنّ مقصود من قال بتعلّق العلم بالفرد المردّد، ومن قال بتعلّقه بالجامع، ومن قال بتعلّقه بالواقع المعيّن شيء واحد، إلاّ أنـّه قد نظر كلّ واحد منهم إلى جهة من جهات المطلب، فعبّر بالتعبير المناسب لها.

وتحقيق الحال في هذا المقام: هو أنّ الصورة الكلّيّة المستوردة في الذهن على قسمين:

القسم الأوّل: الصورة الكلّيّة المستوردة في الذهن من الجزئيات والأفراد الخارجيّة، فترد في الذهن مثلاً صور جزئيّة من أفراد للإنسان، والذهن البشريّ يقشّرها ويطرح مميّزات كلّ فرد عن الآخر، فتبقى صورة كلّيّة قابلة للانطباق على كثيرين، لأنـّها منتزعة من كثيرين، وهو جزء موجود في كلّ واحد منها بناءً على تصوّرات المنطق الاُرسطيّ، ولذا يقال: إنّ الكلّيّ موجود بوجود الفرد، وإذا وجد الكلّ وجد الجزء.