المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

21

وكلّيّاً، عاد ما ذكرناه من البرهان من أنـّنا نعلم بأنّ الجامع لا يوجد إلاّ مع التعيّن في ضمن فرد، والانطباق عليه، فلابدّ من انتهاء الأمر إلى تعلّق العلم بالفرد.

ولا يكفي أن يقال: إنـّنا نعلم بالجامع مفروغاً عن انطباقه، أي: نعلم أنـّه وجد الجامع منطبقاً على الفرد، فإنـّنا نعيد الكلام في هذا الانطباق المعلوم فنقول: هل نعلم بجامع الانطباق، أو بانطباق معيّن؟

فإن علمنا بانطباق معيّن فقد آل الأمر إلى تعلّق العلم بالفرد، وإن علمنا بجامع الانطباق أعدنا برهان العلم بأنّ الجامع لا يوجد إلاّ في ضمن الفرد.

ولا أدري ألهذا أو لغير هذا أقام المحقّق العراقيّ (رحمه الله) صرح المبنى الثالث.

المبنى الثالث: وهو تعلّق العلم بالواقع، وأنّ الفرق بين العلم الإجماليّ والتفصيليّ إنـّما هو في نفس العلم، أو قل في المعلوم بالذات.

وقد ذكر المحقّق العراقيّ(1) (رحمه الله): أنـّه بلغني عن بعض من يدّعي الفضل من أهل العصر أنـّه لا فرق بين العلم الإجماليّ والتفصيليّ من ناحية نفس العلم، وإنـّما الفرق من ناحية المعلوم الخارجيّ، ففي العلم التفصيليّ يعلم بالواقع، وفي العلم الإجماليّ يعلم بالجامع، والصحيح: أنّ العلم سواء كان إجماليّاً أو تفصيليّاً يتعلّق بالواقع، وينكشف به الواقع، إلاّ أنّ الفرق في نفس العلم والانكشاف، أو قل: المعلوم بالذات، والمنكشف بالذات، فقد يكون الانكشاف انكشافاً تامّاً وتفصيليّاً، واُخرى يكون انكشافاً مجملاً وغير واضح، أي: أنّ الفرد قد ينكشف بصورته المفصّلة، وقد ينكشف بصورة مشوّشة .

ولو أردنا أن نشبّه العلم الإجماليّ بحسب ما يقوله هو (قدس سره)بالإحساسات الخارجيّة ـ وإن لم يشبّهه هو ـ قلنا: إنّ شخصين يريان جسماً، أحدهما يراه من قريب، والآخر يراه من بعيد، فهو يرى شبحاً لا يدري أنـّه إنسان أو حيوان أو شجر مثلاً، فكلّ من هذين الشخصين يتعلّق إحساسهما بالواقع المعيّن الواحد، لكنّ أحدهما إحساس تفصيليّ، والآخر إجماليّ ومشوّش وغير واضح، فمثل هذا الفرق الثابت بين الإحساسين الظاهريّين نتصوّره بين الإدراكين الباطنيّين.

هذا، والمحقّق العراقيّ (رحمه الله) لا يقيم في صريح عبارته برهاناً على مبناه من أنّ


(1) راجع المقالات: ج2، ص84، ونهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص309.