المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

208

الفرق بينه وبين مثل التلف ممّا يرفع القدرة عقلاً، باعتبار ما يوجد بينهما من فارق موضوعيّ، وهو أنّ المخصّص لدليل التكليف في الأوّل شرعيّ، وفي الثاني عقليّ، فيدّعى أنّ هذا الفارق الموضوعيّ يوجب الفرق في الحكم فيما نحن فيه؛ لما يقال من أنـّه مع المخصّص الشرعي لا يثبت الملاك بدليل التكليف، ومع المخصّص العقليّ يثبت الملاك، على اختلاف في تقريب ثبوته بين المحقّق العراقيّ والمحقّق النائينيّ (قدس سرهما).

وعليه ففي ما نحن فيه، إذا كان ما حصل بعد العلم هو الاضطرار إلى طرف مّا، فليس لنا بحسب معلوماتنا الفعليّة علم بالتكليف، لا التكليف الخطابيّ ولا التكليف الملاكيّ، أو قل: ليس لنا علم بالتكليف ولا بالملاك، وأمـّا إذا كان هو فقد القدرة في طرف مّا، فهنا نعلم بوجود التكليف الملاكيّ، وإنـّما نشكّ في الحكم بلحاظ الشكّ في القدرة، فنرجع في ذلك إلى ما ينقّح في محلّه من دعوى لزوم الاحتياط في موارد العلم بالملاك مع الشكّ في القدرة.

لكنّك ترى أنّ هذا لو تمّ لجرى في فرض التلف قبل العلم أيضاً؛ لأنّ المخصّص ـ أيضاً ـ عقليّ، وقد عرفنا بعد التلف ثبوت الملاك، وشككنا في القدرة والعجز، فلا بُدّ من القول بالتنجيز حتّى مع فرض التلف قبل العلم، ولا يلتزم المحقّق الخراسانيّ (رحمه الله) بذلك.

على أنّ هذا التقريب في نفسه باطل؛ لأنّ ما نقّح في محلّه ـ في باب الشكّ فى القدرة ـ إنـّما هو عدم مؤمّنيّة احتمال عدم القدرة في مورد يقطع بوجود الملاك فيه. وأمـّا مع احتمال عدم الملاك في المورد المقدور فلا بأس بالرجوع إلى الأصل العقليّ أو الشرعيّ، وما نحن فيه من هذا القبيل، لأنـّنا نعلم بعدم القدرة في أحد الطرفين بالخصوص، ونعلم بالقدرة في الطرف الآخر، ونشكّ في أنّ الملاك هل هو في هذا أو ذاك؟ فالطرف الأوّل نعلم بعدم لزوم الإتيان به؛ لفرض عدم القدرة، والطرف الثاني نشكّ في أصل ثبوت الملاك فيه، لا أنـّه يعلم بثبوت الملاك فيه، ويشكّ في القدرة، حتّى يتنجز بذلك، وفي مثل ذلك لا بأس بالرجوع إلى المؤمِّن العقليّ والشرعيّ، والعلم الإجماليّ بالجامع بين ما يكون داخلاً تحت دائرة حقّ المولى وما لا يكون داخلاً فيها ليس منجِّزاً، ويكون حاله حال العلم الإجماليّ بأنـّه إمّا كَلَّفنا المولى بالشيء الفلاني، أو كَلَّفنا زيدٌ به.