المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

207

هذا، والاضطرار إذا كان إلى حدّ العجزالعقليّ لم يوجد بيان (1) فنّي ـ ولو صوريّاً ـ للفرق بينه وبين مثل التلف، فإنّ ملاك سقوط التكليف فيهما شيء واحد، وهو العجز وعدم القدرة عقلاً، غاية الأمر أنّ عدم القدرة تارةً يكون لقصور في العبد، واُخرى لعدم وجود موضوع في الخارج يُعمِل العبد قدرته فيه، والاضطرار بملاك العجز الشرعيّ ملحق بالعجز العقليّ.

وأمـّا إذا كان الاضطرار بمثل العسر والضرر المنفيّين شرعاً، فهنا يمكن دعوى


(1) البيان الموجود في الكفاية عبارة عن أنّ فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده، بخلاف الاضطرار. راجع الجزء الثاني من الكفاية: ص 218، حسب الطبعة المشتملة على تعليقة المشكينيّ.

وهذا الكلام يمكن توجيهه ـ بنحو يشمل حتى العجز العقليّ ـ بوجهين:

الأوّل ـ أن يكون المقصود بذلك أنّ فقد الحرام لا يسقط فعليّة الحرمة، وإنـّما يسقط فاعليّتها، سنخ ما يقول اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) في الامتثال من أنـّه لا يسقط فعليّة الحكم، وإنـّما يسقط فاعليّته، وهذا بخلاف الاضطرار إلى فعل الحرام فإنـّه يسقط فعليّته.

ويرد عليه: أوّلاً ـ أنّ التكليف إنـّما تُعقل فعليّته مع سقوط فاعليّته إذا كانت له الفاعليّة في الظرف المناسب، كما هو الحال فيما يقوله اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) من أنّ الامتثال يسقط الفاعليّة، ولا يسقط الفعليّة، فإنّ الحكم العقليّ كانت له الفاعليّة في الظرف المناسب، وبها أثّر في تحقيق الامتثال الذي أسقط الفاعليّة، وأمـّا الحرام الذي يكون ارتكابه في كلّ آن حراماً بحرمة مستقلّة فعند فقده لا معنى لفعليّة الحرمة التي تخصّ آن الفقد؛ إذ لا فاعليّة لها في أيّ ظرف من الظروف.

وثانياً ـ أنـّه بعد التسليم، نقول: إنّ العلم الإجماليّ إنـّما يكون منجّزاً إذا تعلّق بتكليف واجد للفاعليّة على كلّ تقدير؛ ولذا لو علم إجمالاً بأحد تكليفين، بعد سقوط أحدهما من الفاعليّة بالامتثال أو بانتهاء وقته، لم يكن العلم الإجماليّ منجّزاً.

والثاني ـ أن يكون المقصود بذلك: أنّ فقد الموضوع المحرّم يستحيل أن ينهي روح الحكم من المبغوضية والملاك، بمعنى مفسدة الفعل؛ لأنّ حاله حال الخروج عن محلّ الابتلاء، الذي سيبيّن اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) استحالة تأثيره في عالم الملاك؛ لعدم محصّصيّته لفعل المكلف، وهذا بخلاف الاضطرار إلى الارتكاب الذي يأتي فيه احتمال إنهائه للمبغوضيّة والمفسدة؛ لأنـّه يحصّص فعل الملكف إلى حصّة اضطراريّة في قبال الحصّة غير الاضطراريّة.

ويرد على هذا التوجيه نفس النقض الذي سيأتي من اُستاذنا الشهيد من أنـّه لو تَمّ هذا لجرى في فرض التلف قبل العلم أيضاً، مع أنّ المحقّق الخراسانيّ (رحمه الله) لا يلتزم بذلك.

والواقع: هو انحلال العلم الإجماليّ ـ ولو حكماً ـ بناءً على كون وجوب الموافقة القطعيّة نتيجة تعارض الأصلين.