المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

206

 

سقوط التكليف بغير الاضطرار

الأمر الثاني: أنـّه إذا تحقّق في أحد الطرفين سقوط التكليف بغير الاضطرار، كالتلف والامتثال أو العصيان، فهذا حاله حال تحقّق الاضطرار في ذلك الطرف، في أنـّه إنْ كان ذلك قبل العلم، أو مقارناً له، فلا يتحقّق العلم بالتكليف، وإنْ كان بعده، فإنْ لاحظنا معلومنا الفعليّ فليس لنا علم بثبوت التكليف بالفعل؛ لفرض سقوط التكليف على أحد التقديرين، لكنْ لنا أنْ ننتزع فى المقام علماً إجماليّاً يكون علماً بالتكليف في كلّ تقدير، وهو العلم بالتكليف في الطرف الذي وقع فيه التلف مثلاً إلى زمان التلف، أو التكليف في الطرف الآخر إلى ما بعد التلف.

إلّا أنّ المحقّق الخراسانيّ (رحمه الله) فصّل في الكفاية بين التلف والاضطرار إذا كان بعد العلم بالتكليف، فاختار في الاضطرار عدم التنجيز؛ لأنّ الاضطرار قد رفع التكليف على تقدير كونه في الطرف المضطر إليه، فلا علم بالتكليف، واختار في التلف التنجيز. ولكنّه ذكر في حاشيته على الكفاية في الاضطرار ذاك العلم الإجماليّ الذي انتزعناه في المقام المردّد بين الطويل والقصير، وبنى عليه القول بثبوت التنجيز حتّى في فرض الاضطرار، فيظهر من مجموع كلاميه (قدس سره) في الكفاية وحاشيتها: أنـّه (رحمه الله)يقول: بأنـّه بالنظر إلى ذاك العلم الإجمالي المنتزع المردّد بين الطويل والقصير يكون التكليف في المقام منجّزاً بلا فرق بين الاضطرار والتلف، وأمـّا بقطع النظر عن ذلك، وقصره على معلوماتنا الثابتة بالفعل، فيتّجه التفصيل بين الاضطرار والتلف بالتنجيز في الثاني دون الأوّل، وهو في الكفاية لم يكن متوجّهاً إلى العلم الإجمالي المردّد بين الفرد الطويل والقصير، وإنـّما كان ناظراً إلى المعلومات الفعليّة، ففصّل بين الموردين، وفي حاشية الكفاية إنـّما لم يقبل التفصيل؛ لالتفاته إلى وجود علم إجماليّ بالتكليف على كلّ تقدير مردّد بين الطويل والقصير.

والتحقيق: ما ذكرنا من أنـّه لا فرق بين الاضطرار والتلف، فأيّ واحد منهما إذا عرض بعد العلم، ونظرنا إلى العلم الإجماليّ المنتزع، ثبت التنجيز، ولو غفلنا عن ذاك العلم الإجماليّ، ونظرنا إلى معلوماتنا الفعليّة نرى عدم التنجيز في كلا البابين.