المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

201

البراءة، فكما يقدّم هناك ظاهر دليل المعلوم بالإجمال على دليل البراءة، إمّا لكون دليل البراءة ظاهراً في كونه مبيِّناً للوظيفة في طول الحكم الواقعي، فلا يمسّ نفس الحكم الواقعي، أو لأيّ سبب آخر، كذلك يقال هنا بتقديم دليل المعلوم بالإجمال على دليل البراءة.

ثمّ لا يخفى أنـّه لا حاجة إلى هذا الخطاب الجديد بعد ما عرفت من سلامة فكرة تقييد إطلاق التكليف؛ وذلك لأنّ ثبوت أصل التكليف بعد القطع بارتفاع إطلاقه لصورة اختيار الحرام وحده، أو لصورة عدم شرب الآخر يكون على القاعدة، وإذا ثبت أصل التكليف على القاعدة فأي حاجة الى فرض خطاب جديد(1)؟!

 


(1) لا يخفى أنّ المحقّق العراقي (رحمه الله) لم يذكر تبديل فكرة تقييد الإطلاق بفكرة كون الحكم سدّاً لبعض أبواب العدم؛ لالتمام الأبواب فيما نحن فيه، وإنـّما ذكر ذلك في باب التزاحم بين الضدين الواجبين . راجع المقالات: ج 1، ص 120. ونهاية الأفكار: الجزء الأوّل والثاني، ص 367. حيث ذكر: أنـّه إذا لم يمكن اجتماع الأمرين بالضدين على شكل الأمر بأمرين متغايرين غير متضادّين، فقد يعالج الموقف بتقييد كلّ منهما بفرض عدم الإتيان بالآخر، وقد يعالج الموقف بجعل كلّ من الإيجابين ايجاباً ناقصاً، فليس أحدهما مقيّداً بفرض عدم الإتيان بالآخر، لكنّه في نفسه ناقص يسدّ بعض أبواب العدم، اي يصرف المكلف عن سائر الاُمور إلى المأمور به إلّا عن ذاك الضد الواجب، واختار (رحمه الله) العلاج الثاني على العلاج الأوّل، وعلّل هذا الاختيار في نهاية الأفكار بغير ما علّله به في المقالات، ففي نهاية الأفكار عللّ ذلك بأنّ تقييد كلّ من الأمرين بفرض عدم الآخر لايعالج مشكلة الأمر بالضدين، لبقاء المطاردة بملاحظة تحقق القيد قبل الإتيان بواحد منهما، على تحقيق وتفصيل مذكور في نهاية الأفكار.

وهذا ـ كما ترى ـ تعليل بمحذور ثبوتي، وأمـّا في المقالات، فلم يعلّل الأمر بمحذور ثبوتي، بل علّله بمحذور إثباتي، وهو أنّ التقييد خلاف الإطلاق، ولا داعي إليه بعد امكان توجّه الطلب الناقص الذي لا يوجب سدّ جميع أبواب العدم، بما فيها باب الضدّ الواجب، وبه يرتفع المحذور.

وهذا يعني أنـّه (رحمه الله) إمـّا يرى أنّ تفسير الطلب بالطلب الناقص أقلّ محذوراً في مرحلة الإثبات من محذور التقييد، أو يرى أنّ كون الطلب ناقصاً أمر لا بدّ منه على كلّ حال؛ لأنّ التقييد ـ أيضاً ـ يجعل الطلب ناقصاً، فدار الأمر بين الاكتفاء بنقص الطلب أو التقييد، والثاني منفيّ بالإطلاق، وذلك غفلةً منه عن أنّ نقص الطلب بسبب التقييد ليس فيه محذور زائد على أصل التقييد، فالأمر دائر بين محذورين متباينين.

وعلى أيّة حال، فهل من الضروري لمن يُؤوّل الأمر في المتزاحمين إلى الطلب الناقص،