المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

200

المحقّق النائينيّ (قدس سره) من جعل التكليف مشروطاً، فإنّ هذا على طبق القاعدة، ولا يحتاج إلى دليل خاصّ؛ إذ إطلاق التكليف سقط قطعاً لمنافاته للترخيص، ووجود أصل التكليف في الجملة أمر محتمل، فيثبت ذلك بنفس دليل التكليف.

وهذا الإشكال وإنْ لم يعالجه المحقّق العراقيّ(قدس سره) لكنّ أكبر الظن أنـّه لو أورد عليه، لأجاب بأنّ الدليل عليه هو نفس دليل الوجوب التعيينيّ، لأنـّه بالمطابقة يدلّ على الوجوب التعيينيّ، وبالالتزام يدلّ على الملاك، وقد سقطت دلالته المطابقيّة عن الحجّيّة، لكنّ الدلالة الالتزاميّة غير تابعة عنده في الحجّيّة للدلالة المطابقيّة، فدلالته على ثبوت الملاك باقية على حالها، وعندئذ يستكشف من الملاك خطاب يسدّ بعض أبواب العدم، بعد أنْ وجد مانع عن الخطاب الذي يسدّ جميع أبواب العدم. وهذا نظير ما يقال في جملة من الموارد التي لا يكفي المدلول المطابقي للدليل، لتحصيل الملاك من استكشاف الخطاب من ناحية فعليّة الملاك، كما يقال بذلك في خطاب وجوب حفظ القدرة.

إنْ قلت: إنّ البراءة في أطراف العلم الإجماليّ إنـّما لم تجر عند المحقّق العراقيّ (قدس سره) للمحذور العقليّ، وهو قبح الترخيص في مخالفة العلم، لا لكون الملاك يهتمّ به حتماً بنحو لا تجري في مورده البراءة، وإلّا فكثيراً ما يتّفق في مورد الشبهات البدويّة أنّ المولى يعلم بوجود الملاك والحكم، ومع ذلك يجعل البراءة، فليكن الملاك الثابت بالدلالة الالتزامية فيما نحن فيه ممّا لا يهتمّ به بدرجة يمنع عن جريان البراءة.

قلت: الدليل الأوّليّ للخطاب قد دلّ على أُمور: فقد دلّ على ثبوت الملاك في نفسه، وقد دلّ على الاهتمام به في مقابل عدم سدّ شيء من أبواب العدم، وقد دلّ على الاهتمام التامّ به في مقابل جعل بعض أبواب العدم مفتوحاً، وهذا الأخير ساقط قطعاً؛ لفرض انفتاح أحد أبواب العدم بالترخيص التخييريّ، لكنّ الأوّل والثاني لم يثبت سقوطهما، فنبني على ثبوتهما بظاهر الدليل، ومع العلم بثبوت الملاك والاهتمام به بهذا المقدار، لا معنى لجريان البراءة، ويثبت هنا ـ أيضاً ـ نفس المحذور العقليّ في الترخيص في المخالفة القطعيّة لمثل هذا الملاك المهتمّ به ـ لو كان محذور عقليّ في الترخيص في سائر الموارد ـ والمفروض تقديم ظهور دليل المعلوم بالإجمال على دليل البراءة، وإلّا لأخذ بدليل البراءة في سائر موارد العلم الإجمالي مطلقاً ولو باستكشاف رفع اليد عن أصل الحكم؛ لمكان المنافاة بينه وبين