المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

199

ويصبح غير صحيح.

أقول: إنّ الصحيح: أنّ كلاًّ من الفرضين يفيد التنجيز، ولا يرد على شيء منهما هذا الإشكال، إلّا أنّ ذلك بعد توجيه، وذلك بأنْ يكون المقصود بالشرط (وهو شرط عدم اختيار الفرد الحرام واقعاً) هو عدم اختياره وحده، بأنْ تثبت الحرمة في فرضين: فرض اختيار الآخر، وفرض اختيارهما، وهذا مساوق لكون الشرط عدم اختيار الفرد الآخر، وهذا التوجيه يرفع من الفرض الأوّل جهة عدم التنجيز، وجريان الاُصول، إذ جريان الاُصول يصبح ترخيصاً في المخالفة القطعيّة؛ لأنّ مخالفة تمام الأطراف تساوق القطع بحصول الشرط، وبالتالي القطع بثبوت التكليف ومخالفته كما يرفع من الفرض الثاني إشكال كون الحكم مغيّىً باختيار مخالفته، فإنّ هذا مغيّىً بحصّة خاصّة من مخالفته، وهي مخالفته مع عدم ارتكاب الفرد الآخر، وإنْ شئت فقل: إنـّه مغيّىً بعدم ارتكاب الفرد الآخر، وهذا لا يوجب سقوط التكليف عن كونه توجيهاً لاختيار المكلف، وعدم اختياره، وبقطع النظر عن هذا التوجيه الذي ذكرناه يرد ما ذكره من الإشكال على كلا الفرضين، لا على الفرض الثاني فقط.

هذا تمام الكلام حول ما أفاده المحقّق النائينيّ (رحمه الله) في المقام.

وأمـّا المحقّق العراقيّ (قدس سره) فلم يذهب إلى جعل التكليف مشروطاً، بل أورد القيد على متعلّق التكليف، فمتعلّق وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعيّ ليس هو سدّ جميع أبواب عدمه، بل هو سدّ بعض أبواب عدمه، بنحو كأنـّه ينقلب وجوب الاجتناب ـ وإنْ كان لا يرضى المحقّق العراقيّ(قدس سره) بهذا التعبير ـ من التعيينيّة إلى التخيير، ومن الخطاب بالفرد المعيّن إلى الخطاب بالجامع، فالعبد مخاطب بترك أحد الأمرين الطاهر أو النجس، فيتنجّز عليه ترك أحدهما، في حين أنـّه يجوز له شرب أحدهما. وكأنـّه (رحمه الله) لم يذكر الصورة التي ذكرها المحقّق النائينيّ من جعل التكليف مشروطاً فراراً من إشكال إنقلاب الوجوب المطلق إلى الوجوب المشروط، والانتهاء إلى شكّ بدويّ وعدم التنجّز، أو من إشكال عدم صحّة تقيّد التكليف باختيار المكلف، ونحن قد عالجنا هاتين المشكلتين.

وعلى أيّ حال، فرجوع الخطاب التعيينيّ إلى الخطاب التخييريّ أمر معقول ثبوتاً، لكن يبقى الكلام في أنـّه ما هو الدليل على ذلك إثباتاً ؟ فإنّ الخطاب الذي دلّ عليه الدليل خطاب تعيينيّ، وقد سقط بمنافاته للترخيص التخييريّ، والخطاب التخييريّ خطاب آخر يحتاج إلى دليل مستقلّ غير موجود، وهذا بخلاف ما اختاره