المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

198

إطلاق التكليف، فيحصل التوسّط في التكليف.

أقول: أمّا الوجه الأوّل للتوسّط في التكليف، وهو العلّيّة التامّة لتنجيز العلم الإجماليّ، فقد عرفت ما فيه، وأمـّا الوجه الثاني، وهو فرض انطباق الاضطرار على هذا الفرد عرفاً، فهو أيضاً ممنوع، ولا يكون الاضطرار إلّا بمقدار الجامع، ولا وجه لفرض سريانه إلى الفرد، فالتكليف الواقعيّ ثابت على حاله، ويكون التوسّط في التنجيز.

ثمّ على تقدير المنافاة في الجملة بين التكليف الواقعيّ وهذا الترخيص في أحد الفردين، يقع الكلام في أنّه هل يبقى مقدار من التكليف يوجب العلم به التنجيز بالنسبة للفرد الآخر، أو لا؟ وكيف نتصور بقاء ذلك؟ قد اختلف هنا تصوّر المحقّق النائينيّ (قدس سره) في أجود التقريرات، وتصوّر المحقّق العراقيّ (رحمه الله).

أمـّا المحقّق النائينيّ (رحمه الله)، فقد ذهب في المقام إلى أنّ التكليف يصبح مشروطاً بعدم اختيار الحرام الواقعيّ في مقام دفع الاضطرار، وفصّل (قدس سره)في استلزام ذلك لتنجّز الفرد الآخر بين ما لو فرض هذا الشرط شرطاً متأخّراً ـ أي: أنـّه مهما اختار الفرد الحرام لدفع الاضطرار يكشف ذلك عن أن هذا لم يكن حراماً عليه من أول الامر ـ أو فرض شرطاً مقارناً ـ اي: أنـّه من آن الاختيار ترتفع حرمته ـ، فإنْ فرض الأوّل فلا تنجيز في البين؛ للشكّ في التكليف بالشكّ في ثبوت شرطه (1)، وإنْ فرض الثاني فأصل التكليف معلوم بلحاظ ما قبل الاختيار، غاية الأمر هي التردّد بين الفرد الطويل والقصير، فيثبت التنجيز، واختار هو (قدس سره) الفرض الثاني، أعني كونه شرطاً مقارناً، حيث إنّ القدر المتيقّن من سقوط التكليف هو آن الاختيار، وأمـّا قبله فيتمسّك بإطلاق دليل التكليف.

والسيّد الاُستاذ(2) أشكل على الفرض الثاني، وهو كونه شرطاً مقارناً، وظاهره أنـّه يوافق المحقّق النائينيّ (رحمه الله) بالنسبة للفرض الأوّل في أنـّه لا يثمر التنجيز، وإشكاله على الفرض الثاني هو أنـّه لا يتعقّل تكليف مغيّىً باختيار مخالفته، فإنّ التكليف إنـّما يكون لتوجيه اختيار المكلّف، وعدم اختياره، فلو جعل مغيّىً باختيار مخالفته يلغو،


(1) فيما إذا كان الاضطرار قبل حدوث التكليف، أو قبل العلم به، كما جاء هذا القيد في أجود التقريرات: ج 2، ص 271.

(2) راجع الدراسات: ج 3، ص 252، والمصباح: ج 2، ص 392.