المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

197

أقول: أمّا ما ذكره ـ من تسليم المنافاة في الجملة بين التكليف الواقعي وهذا الترخيص؛ لكون العلم الإجماليّ علّة تامّة لتنجيز وجوب الموافقة القطعيّة ـ فيرد عليه: أنّ معنى كون العلم الإجماليّ علّة تامّة لتنجيز وجوب الموافقة القطعيّة هو كونه كالعلم التفصيليّ فيما له من أثر في مقام التنجير من دون أنْ يكون أثره معلّقاً على عدم مجيء الترخيص، لكنّ العلم ـ سواء كان تفصيليّاً أو إجماليّاً ـ وإن كان دخيلاً في التنجيز، إلّا أنـّه يوجد شيء آخر دخيل في التنجيز أيضاً، وهو القدرة، فلو كلّف المولى عبده بما لا يقدر على بعض مراتب امتثاله، أو تمامها عقلاً أو شرعاً، وعلم العبد بذلك لم تتنجّز عليه تلك المرتبة من الامتثال، أو تمامها؛ إذ لا حقّ للمولى على العبد في خارج نطاق قدرته، وفيما نحن فيه لا يقدر العبد على مرتبة الامتثال القطعيّ إما عقلاً وإمـّا شرعاً، كما إذا كان ترك ارتكاب أحد الطرفين مؤدّياً إلى هلاك النفس، وكان حفظ النفس واجباً أهمّ ومقدّماً على هذا التكليف، وعليه فالتكليف هنا موجودٌ، ولا يتنجّز بمرتبة وجوب الموافقة القطعيّة، لا لنقص في تأثير العلم حتى يقال: إنّ العلم علّة تامّة للتنجيز، بل لانتفاء الشرط الآخر لتنجّز هذه المرتبة، وهو القدرة عليها، فيتنجّز بمرتبة حرمة المخالفة القطعيّة، وهذا هو التوسّط في التنجيز.

وأمـّا ما ذكره من أن هذا الترخيص ينافي إطلاق التكليف لا أصله، فيتّجه التوسّط في التكليف، فهذا ما يلتقي فيه كلام المحقّق العراقيّ (رحمه الله)مع كلام المحقّق النائينيّ (قدس سره) في أجود التقريرات(1)، حيث يختار هناك التوسّط في التكليف، لكنّه لوجه آخر غير وجه المحقّق العراقيّ (رحمه الله)، فإنّ الوجه فيما اختاره المحقّق العراقيّ (رحمه الله)للتوسّط في التكليف هو مسألة علّيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة، كما عرفت، لكنّ المحقّق النائينيّ (رحمه الله) لا يقول بالعلّيّة، إلّا أنّه يقول هنا بأنّ الاضطرار وإنْ كان متعلّقاً بالجامع، لكن أيّ فرد اختاره المكلّف، فكأنّ العرف يرى أنّ الاضطرار ثابت بالنسبة لذلك الفرد، فيكون الترخيص الواقعي فيه، فيقع المنافاة بينه وبين


(1) أجود التقريرات: ج 2، ص 270 ـ 271. واختاره أيضاً المحقّق العراقيّ لإثبات التوسّط في التكليف، حتى على مسلك الاقتضاء، حسب ما ورد في نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 353.