المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

196

والمحقّق النائينيّ (رحمه الله) ذهب في تقرير الشيخ محمد علي الكاظميّ(قدس سره)(1) إلى منع المنافاة بين هذا الترخيص وذاك التكليف الواقعيّ؛ لأنّ المنافاة إمّا أنْ تُدّعى بينه وبين التكليف الواقعي بما هو، أو تدّعى بينه وبين التكليف الواقعيّ المعلوم، فإنْ ادّعي الأوّل فهذا ما اُبطل في جواب شبهة المنافات بين الأحكام الواقعيّة والظاهريّة، وتبيّن أنـّه مع الشبهة البدويّة يمكن الترخيص تعييناً من دون أنْ ينافي الحكم الواقعيّ على تقدير وجوده، وإنْ ادّعي الثاني فالترخيص في المخالفة الاحتمالية في أطراف العلم الإجمالي لا بأس به، سواء كان تعيينيّاً أو تخييريّاً.

إذن فلا منافاة بين التكليف الواقعيّ والترخيص التخييريّ، فالعلم الإجماليّ بالتكليف ثابت على حاله، غاية الأمر أنـّه هنا لا يمكنه أنْ ينجّز بدرجة وجوب الموافقة القطعيّة، لفرض الترخيص في ارتكاب أحدهما، لكنْ يبقى على تنجيزه لدرجة حرمة المخالفة القطعيّة، وهذا ما يسمى بالتوّسط في التنجيز.

وذهب المحقّق العراقيّ (قدس سره) إلى أنّ الترخيص التخييريّ في المقام لا ينافي التكليف المعلوم إجمالاً بناءً على الاقتضاء، وأمـّا بناء على العلّية، فهو ينافيه لأنّ المفروض أنـّه لا يمكن الترخيص في أطراف العلم الإجماليّ بالتكليف؛ لكونه خلف العلّيّة التامّة لوجوب الموافقة القطعيّة، فيكشف الترخيص عن رفع اليد عن التكليف، لكنّ هذا لا يوجب رفع اليد عن أصل التكليف رأساً؛ لأنـّنا إنـّما قلنا برفع اليد عنه باعتبار المنافاة بينه وبين الترخيص التخييريّ، فلابدّ من أنْ نقتصر فيه على مقدار المنافاة، وهذا الترخيص إنـّما ينافي إطلاق التكليف لا أصله، فيتقيّد التكليف، وبذلك يصير العلم علماً بالتكليف المقيّد بذلك القيد، ومنه يسري النقص إلى مرحلة التنجيز أيضاً، وهذا ما يسمى بالتوسّط في التكليف، إذ النقص طرأ ابتداءً على نفس التكليف(2) .

 


الإجمالي تخييراً ـ؛ فلأنّ الترخيص فيه عقليّ، ويشبه البراءة العقليّة لا البراءة الشرعيّة، ولا ينافي فعلية الحكم، وأمـّا الثاني؛ فلأنّ هذا الحكم هنا وإن لم يكن فعليّاً من جهة العجز الشرعيّ، أي: في قبال الوجوب الاهمّ، وهو وجوب حفظ النفس مثلاً، بمعنى أنّ المولى لا يريد صرف العبد إليه، حتى عن الأهمّ، لكنّ فعليّته من سائر الجهات تكفي لمنجّزيّة العلم بمقدار فعليّته، ومقصود المحقّق الخراسانيّ من شرط الفعليّة من جميع الجهات لا تسقط الفعليّة، بمعنى فقدان المطالبة الحقيقة بجهة من الجهات كالجهل.

(1) فوائد الاُصول: ج 4، ص 31 ـ 32.

(2) راجع المقالات: ج 2، ص 91 . ونهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص351 ـ 352. والقسم الأوّل من الجزء الثالث: ص 155.