المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

195

يكون مجرىً للبراءة عن التكليف الآخر، لا لأصالة الاشتغال. هذا إذا كان مقصوده في المقام التمسّك بقاعدة الاشتغال. وأمّا إذا كان مقصوده التمسّك بالاستصحاب، فالاستصحاب إنـّما يجري في مثل ما إذا وجب الجلوس في المسجد إلى أن ينزل المطر مثلاً، فشكّ في نزول المطر، وأمـّا في مثل ما نحن فيه فلا يجري على ما عرفته آنفاً في مناقشاتنا لما في الدراسات.

 

الاضطرار في طرف غير مُعيّن

المقام الثاني: في الاضطرار إلى المخالفة في أحد الطرفين لا بعينه.

ذهب صاحب الكفاية (رحمه الله) إلى أنّ (1) الترخيص التخييريّ الثابت بواسطة الاضطرار إلى أحد الأطراف لا بعينه ينافي التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال، فيرتفع ذلك، فيرتفع العلم، فلا تنجيز في المقام، وبعد أنْ رفع الاضطرار بارتكاب أحد الطرفين ارتفع الترخيص التخييري، وجاء احتمال التكليف في الطرف الآخر، لكنّه شكّ بدويّ ينفى بالأصل.

هذا، وينبغي تقييد كلامه (قدس سره) بفرض عدم تأخّر طروّ الاضطرار عن العلم.

وعلى أيّ حال، فليس مُدّعاه (قدس سره) كون الترخيص هنا واقعيّاً ينافي التكليف الواقعيّ، وإنـّما هو ترخيص ظاهريّ؛ إذ لم ينشأ من محض الاضطرار، بل تدخّل فيه الجهل بالحرام، ولو كان عالماً لم يجز له ارتكابه، وكان عليه رفع الاضطرار بالآخر، ويرى هو (قدس سره): أنّ هذا الترخيص الظاهريّ ينافي ذلك التكليف الواقعيّ المعلوم بالإجمال، ولم يذكر في عبارته النكتة في هذه المنافاة(2) .

 


(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 212 حسب الطبعة المشتملة على تعليق المشكينيّ.

(2) الظاهر أنّ مقصود المحقّق الخراسانيّ (رحمه الله): أنّ الترخيص ينافي فعليّة الحكم الواقعيّ بالمعنى الذي يقول به من الفعليّة، فيسقط العلم الإجماليّ عن كونه علماً إجماليّاً بالتكليف، كما يقول في مورد الشكّ البدويّ أيضاً، وبأنّ البراءة الشرعيّة تسقط فعليّة التكليف، ومن هنا يتّضح أنـّه لا نكتة لتقييد كلامه (قدس سره) بفرض عدم تأخّر طروّ الاضطرار عن العلم.

وعلى أيـّة حال، فإنْ كان هذا هو مراد المحقّق الخراسانيّ (رحمه الله) في المقام، فقد أورد عليه اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) بأنّ هذا الكلام لا يتمّ لا في مورد العجز التكوينيّ، ولا في مورد العجز التشريعيّ، أمـّا الأوّل ـ وهو ما لو اضطر بمستوى العجز التكوينيّ إلى مخالفة أحد طرفي العلم