المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

187

هناك لم تلزم المخالفة القطعيّة من إجراء الأصلين في طرفي العلم الإجمالي، وإنـّما لزمت من نفس إجراء الأصل الأوّل؛ لتبيّن وجوب ما نفاه به، وهذا من قبيل ما إذا احتمل بدويّاً وجوب شيء، ونفاه بالأصل، مع أنـّه كان يحتمل أنْ سوف يحصل له العلم بأنّه كان واجباً، ثمّ حصل له ذلك العلم فلزمت المخالفة القطعيّة، وهذا لا بأس به.

هذا، وأمّا إذا قلنا: إنّ الوجه في عدم جريان الاُصول في الأطراف ليس هو المحذور العقليّ، وإنـّما هو الارتكاز العقلائيّ للمناقضة بين الترخيصات والإلزام المعلوم بالإجمال، فعندئذ يجب أنْ نرجع إلى سعة دائرة هذا الارتكاز وضيقها؛ لنرى أنّ ارتكاز المناقضة ثابت حتى في مثل هذا الفرض الذي يحتمل أداء إجراء الأصل إلى الترخيص في المخالفة القطعيّة في أطراف العلم الإجمالي، وذلك بأن يبقى العلم الإجماليّ على حاله، ويحتمل عدم أدائه إلى ذلك، وذلك بأن لا يبقى العلم الإجمالي على حاله، أو أنّ الارتكاز في مثل ذلك غير ثابت؟ فان ثبت فلا يجري الأصل، وإلّا جرى (1)، ومع الشكّ في ذلك ـ أيضاً ـ لا يمكن إجراء الأصل.

ثم إنّ كلّ ما ذكرناه إنـّما هو فيما إذا لم يكن للحكم الثاني أثر لزوميّ في الزمان الأوّل، بأن كان من الممكن تفويت القدرة في زمانه عليه في الزمان الأوّل، وإلّا جرى الأصل النافي لذلك الحكم في الزمان الأوّل، وأصبح معارضاً للأصل النافي للحكم الأوّل، ويتساقطان، كما أنـّه إذا كان ذلك الحكم في الزمان الثاني موضوعاً لحكم آخر في الزمان الأوّل، حصل العلم الإجمالي بالحكم الأوّل، أو هذا الحكم المترتّب على الحكم في الزمان الثاني، ومنع ذلك عن نفي الحكم الأوّل بالأصل النافي.

ثم إنـّه يمكن أنْ يفترض أنّ العالم بالإجمال في التدريجيّات يعلم بأنّ هذا


(1) لا يبعد التفصيل في ذلك بين ما إذا كان احتماله لزوال العلم الإجمالي في المستقبل بنحو يبطل جزمه بكون الأصل الذي يجريه فعلاً لنفي الطرف الحالي جزءاً من الترخيص في المخالفة القطعيّة، وما إذا لم يكن كذلك، ففي الفرض الأوّل لا يكون الارتكاز ثابتاً، ويجري الأصل فعلاً لنفي التكليف الحاليّ، وذلك كما لو احتمل زوال العلم الإجمالي في المستقبل بحصول العلم التفصيليّ بالحكم الثاني، وفي الفرض الثاني يكون الارتكاز ثابتاً ولا يجري الأصل في المقام، وذلك كما لو لم يحتمل زوال العلم الإجماليّ في المستقبل بحصول العلم التفصيلي بالحكم الثاني، وإنـّما احتمل زواله بحصول العلم التفصيليّ بالحكم الأوّل، أو بالشكّ الساري في أصل المعلوم بالإجمال.